ترفض إيران العودة للمفاوضات بشأن النووي وفق الشروط الأميركية، والمتعلق بإيقاف تخصيب اليورانيوم أو تحديد نسبته 3.76 بالمئة بحسب اتفاق 2015، ذات السبب والموقف الذي انتهى لحدوث حرب شرسة بين إسرائيل وإيران استمرت اثني عشر يوماً، وانتهت بمبادرة قدمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
إيران صمدت في تلك الحرب، بالرغم من الخسائر الكبيرة التي منيت بها، وخصوصاً في اغتيال نخبة من علمائها بشؤون الطاقة النووية، وقادتها الأمنيين، ناهيك عن تدمير عدد من منشآتها الصناعية ومراكز القيادة والسيطرة والأضرار بمفاعلاتها النووية الأساسية في نطنز وفوردو!
لكن إيران أعطت لإسرائيل درساً بليغاً في سقوط حماية إسرائيل، بعد أن طالت الصواريخ الباليستية تل أبيب وحيفا وبقية المدن والمنشآت الحيوية الإسرائيلية، ولعلها المرة الأولى التي تشهد بها إسرائيل على قدرة إيران على تدميرها عبر الصواريخ فرط الصوتية وغيرها، وهي المرة الأولى التي يعلن فيها أكثر من 700 ألف مستوطن يهودي رغبتهم بالهجرة من إسرائيل إلى أميركا، جراء الرعب الذي عاشوا فيه خلال ساعات وأيام الحرب.
إيران، بالرغم من خسائرها في هذه الحرب القصيرة، إلا أنها تعيش مشاعر التحدي والصمود الذي يرقى لمشاعر النصر، لا سيما وأنها صمدت أمام ترسانة أسلحة هي الأقوى والأعنف والأحدث في العالم، السلاح الأميركي والسلاح الإسرائيلي والدعم اللوجستي الذي كانت تقدمه دول أوروبية مساندة لإسرائيل وسياساتها العدوانية. وثمة شعور آخر يدعم مشاعر قيادة إيران بالنصر، أن المعارضة الداخلية صمتت خلال أيام الحرب، ولم تبدِ أي نشاط معارض يحرج المؤسسة السياسية والأمنية، كذلك الحال مع معارضات الخارج المنظمة التي رفضت العدوان الإسرائيلي على بلادها.
استمرار الرفض الإيراني بالجلوس لطاولة المفاوضات وتقديم التنازلات المتعلقة بالملف النووي، يعني أنها تختار مسار التحدي للضغط الأميركي الإسرائيلي، والوقوف بندية ضد التهديد الأميركي، ما يجعل المنطقة مرشحة لحرب جديدة وفق النتائج والتصريحات الأميركية التي جاءت مع مبادرة ترامب بإيقاف الحرب.
أتوقع أن حسابات إيران برفض التفاوض بعد قطع العلاقة مع الوكالة الدولية للطاقة والمطالبة بمحاكمة غروس، المدير العام للوكالة، وإعدامه، تلك البروبغندا تنطلق من قراءة واقع حال ما حدث ويحدث في إسرائيل، فقد أنهكت حرب الـ12 يوماً إسرائيل اقتصادياً واجتماعياً، إذ نسبة ليست بالقليلة من المستوطنين اليهود صارت تفكر جدياً بالرحيل عن إسرائيل والحفاظ على أرواحهم!
إيران استوعبت صدمة الأيام الأولى من الحرب، بعد أن أفرغ الموساد الإسرائيلي حمولته التدميرية والانتقامية، وعُرِّفَت قوة الفعل الإسرائيلي عن طريق سلاحها الجوي، وربما حيازة أجهزة كشف راداري جديدة، والحصول على سلاح دفاعي أرض - جو مضاد للطائرات، بتقنية حديثة وفاعلة من الصين أو روسيا، يجعلها تمضي بالرفض والتهيؤ لخوض تفاصيل حرب جديدة، تتجاوز فيها أخطاء الحرب الأولى وأخطائها، ولعلها تأتي بخسائر أقل بكثير من الأولى بعد تدمير مفاعلاتها النووية، ولا يوجد ما يضاهيها بالخسارة، ولعل حدوث حرب أخرى، تأتي بنتائج تكون لصالح إيران لو تدخلت القوى العظمى بالشرق كالصين أو كوريا الشمالية أو حتى روسيا، بالرغم من معاناتها من حرب أوكرانيا!