منذ عام 1979، وعلى مدار أكثر من أربعة عقود من حكم الملالي، سخّرت إيران مواردها الوطنية وثرواتها الطبيعية والاقتصادية لبناء ترسانة عسكرية هائلة، لم تكن يومًا لحماية شعبها، بل وُجّهت بالكامل لخدمة مشروع أيديولوجي يقوم على فكرة "إبادة الآخر".
رُفع شعار "الموت لأميركا، الموت لإسرائيل" ليصبح عقيدة رسمية لحكم "ولاية الفقيه"، وتحول إلى ما يشبه النشيد القومي للنظام. هذا الشعار لم يُترجم فقط في الخارج عبر دعم الميليشيات ونشر الفوضى، بل أيضًا في الداخل، حيث جرى سحق المواطن الإيراني نفسيًا ومعنويًا واقتصاديًا، واغتيلت الحريات تمامًا، وأُمِّم المجال العام، وبسط النظام الفاشي هيمنته المطلقة إلى حدٍّ جعل كثيرين من الإيرانيين يخشون حتى من الحلم بالنجاة منه، فضلًا عن الجهر برفضه.
ثم وقعت الواقعة، وجاءت المواجهة المنتظرة بين إسرائيل وإيران، ليتكشّف للعالم كله زيف القوة الإيرانية. الضربات الدقيقة والمؤلمة التي وجّهها جيش الدفاع الإسرائيلي للمواقع الاستراتيجية داخل الأراضي الإيرانية كشفت مدى هشاشة "الترسانة الثورية"، ومدى خواء المشروع الذي استنزف 46 عامًا من أموال ودماء الإيرانيين.
في ختام عملية "الأسد الصاعد"، التي استمرت 12 يومًا، حقّق جيش الدفاع الإسرائيلي إنجازًا متكاملًا وتفوّقًا جويًا كاملًا في عمق الأراضي الإيرانية، وتمكن من تحقيق الأهداف المحددة للعملية، بل وتجاوزها:
تعرّضت المنشآت النووية الإيرانية الثلاث المركزية لهجمات مباشرة أسفرت عن أضرار جسيمة.
دُمرت آلاف من أجهزة الطرد المركزي.
أُبيدت مراكز البحث والتطوير المرتبطة بالبرنامج النووي.
ضُربت البنية التحتية الفريدة للبرنامج النووي.
قُضي على 11 عالمًا نوويًا بارزًا على صلة ببرنامج التسلّح النووي.
استُهدف أكثر من 35 موقعًا لإنتاج الصواريخ.
أُزيل نحو 200 منصة إطلاق، ما يعادل قرابة 50 بالمئة من مخزون الصواريخ.
أُصيبت أكثر من 80 منصة دفاع جوي من نوع أرض-جو.
دُمرت عشرات الطائرات العسكرية.
ضُربت 6 مطارات مركزية.
تم قتل مئات العناصر التابعة للقوات العسكرية الإيرانية.
أُبيدت عشرات مقرات القيادة والسيطرة.
جرى تصفية أكثر من 30 من أبرز قادة المؤسسة العسكرية والأمنية للنظام.
تم اعتراض مئات الصواريخ أرض-أرض بنسبة نجاح تجاوزت 86 بالمئة.
أُسقطت مئات الطائرات المسيّرة بنسبة نجاح بلغت 99 بالمئة.
في غضون أيام معدودة، انهار ما بناه النظام الإيراني طيلة عقود من التهديد والوعيد، بمعادلة موجعة: كل أربع سنوات من التحشيد الإرهابي في طهران، قابلها يوم واحد فقط من الرد الإسرائيلي المدروس.
يُضاف إلى ذلك ما حُقّق ضد أذرع الإرهاب الإيرانية الممتدة في الشرق الأوسط. حماس والجهاد الإسلامي في غزة، وحزب الله في لبنان، تلقّوا ضربات نوعية قطعت خطوط دعمهم، فضلًا عن إضعاف الميليشيا الحوثية في اليمن بشكل ملحوظ، تلك التي تستنشق الإرهاب وتتنفسه.
المشروع النووي الإيراني برمّته، والذي طالما رُوّج له من قِبَل قاطني قلاع الكراهية، ومعسكر الممانعة، وأنصار "الصفر المقدس"، بوصفه كابوسًا يهدد إسرائيل، تحوّل إلى مجرد ملف سياسي مُعطّل ومشلول، بعدما حوّلته الضربات الإسرائيلية إلى وهمٍ معلّق في ذاكرة خامنئي ورجاله.
وبالرغم من كل ما حدث، يخرج علينا المرشد من مخبئه ليعلن "الانتصار"، في مشهد لا يليق إلا بالهزيمة المقنّعة؛ بانفعالٍ عبثيّ هزليّ تجاوز حدود الجنون ذاته.
وهكذا يسقط الطغاة دائمًا: يسقطون بصوتٍ مرتفع وواقعٍ مهزوم. من أعمق ما خلص إليه العظيم نيتشه: أن محو الحقيقة لا يترك فراغًا، بل يملؤه الجنون متنكرًا في هيئة حكمة.