بين رائحة البارود وهدير الطائرات ودوي المدافع، ترتسم معالم حرب جديدة فوق شبه القارة الهندية. الحرب لم تُعلَن رسمياً بعد، لكنّها تُكتب على الأرض بصواريخ عابرة للحدود، وأشلاء متناثرة، ومخاوف تتغلغل في عيون عشرات الملايين من السكان.
الهند وباكستان، خصمان تاريخيان منذ التقسيم الدموي عام 1947، يبدو أنهما على وشك الانزلاق مرة أخرى إلى حرب، ولكن هذه المرة قد تكون النهاية مختلفة تماماً... وربما أكثر سوداوية من كل ما سبق.
في نيسان (أبريل) 2025، هجومٌ مسلح دموي أودى بحياة عشرات المدنيين في كشمير الهندية، دفع نيودلهي إلى الرد عبر (عملية سيندور)، التي استهدفت تسعة معسكرات يُعتقد أنها تأوي جماعات مسلحة مقرّها باكستان. ما حدث بعدها لم يكن مجرد تبادل قذائف. باكستان ردّت بمنظومة نيران كثيفة، شملت صواريخ تكتيكية، وطائرات مسيّرة، وقصفاً مدفعياً طال العمق الهندي. الصراع تحوّل سريعاً من حادث أمني إلى مواجهة شاملة غير معلنة، عنوانها: الحرب بلا إعلان.
عسكرياً، يبدو المسرح مفتوحاً على كافة الاحتمالات. الهند تمتلك جيشاً يفوق المليون جندي، وعتاداً متطوراً مدعوماً بشبكة صناعية عسكرية متقدمة، وشراكات استراتيجية مع الولايات المتحدة وإسرائيل وفرنسا. أما باكستان، وعلى الرغم من تفوق الهند العددي واللوجستي، فهي تمتلك عقيدة عسكرية هجومية مرنة، وقوات مدرّبة على حرب العصابات، وأهم من ذلك: سلاح ردع نووي لا يتردد الساسة في التلويح به. المفارقة هنا ليست في التوازن التقليدي، بل في قابلية الاشتعال السريع. فكلما اقتربت المعارك من كشمير، اقترب الزر الأحمر.
جغرافياً، تقع كشمير في قلب الأزمة، لكنها ليست النقطة الوحيدة القابلة للاشتعال. الخط الحدودي الفاصل المعروف بـ (خط المراقبة) بات مسرحاً لنشر أعداد متزايدة من القوات، لكن الأخطر هو التمدد العملياتي إلى الداخل الباكستاني، بما يشبه تحولاً في العقيدة الهندية من (الردع) إلى (الضربات الاستباقية)، ما يعني أن المدن الحدودية مثل لاهور وسريناغار لم تعد بمأمن. الأنهار المشتركة، التي كانت شرياناً مائياً للزراعة والحياة، تحولت فجأة إلى أوراق تفاوض خطيرة، خاصة بعد إعلان الهند تعليق اتفاقية مياه نهر السند، ما يُنذر بحرب موارد موازية.
اجتماعياً، تعيش المجتمعات على طرفي النزاع في حالة تعبئة نفسية. في الهند، تصاعد المد القومي، ووسائل الإعلام تضخ بروباغندا الانتصار، فيما تخشى الأقليات المسلمة من التبعات الاجتماعية والسياسية. في باكستان، يتنامى الشعور بالحصار، وترتفع الأصوات الدينية والقومية مطالبة بـ (الثأر). الطرفان يوظفان الشعور الجمعي بالخطر لتعبئة الداخل، لكنّ هذه التعبئة قد تخرج عن السيطرة إذا ما تحوّلت إلى قتال شوارع أو أعمال انتقامية ضد المدنيين أو الأقليات.
المال لا يقف على الحياد في هذه الحرب. الأسواق اهتزت فور تصاعد التوتر، والروبية الهندية تراجعت، فيما غرق الاقتصاد الباكستاني في مزيد من الهشاشة. الهجوم على البنية التحتية أو محطات الطاقة أو الممرات التجارية بين البلدين قد يقود إلى شلل اقتصادي واسع في الإقليم. الاستثمارات الأجنبية في جنوب آسيا مهددة، وشركات التأمين ترفع أسعارها بشكل جنوني، في مؤشر على دخول الحرب مرحلة اللا يقين المالي. في هذا السياق، قد تتحول الهند إلى ساحة اختبار للنموذج الاقتصادي القومي القوي، فيما قد تشهد باكستان إعادة ترتيب داخلية تخلط بين العسكر ورجال الأعمال في محاولة للسيطرة على الانهيار.
في قراءة استشرافية لمسار الحرب، يمكن رسم أربعة سيناريوهات رئيسية:
السيناريو الأول: تصعيد محدود
يظل القتال ضمن المناطق الحدودية، وتتم السيطرة عليه عبر قنوات خلفية أميركية وخليجية وصينية. هذا السيناريو يتطلب إرادة سياسية لدى الطرفين، لكنه يبدو هشاً في ظل ديناميكيات الردع والتعبئة الإعلامية.
السيناريو الثاني: حرب شاملة تقليدية
يمتد القتال ليشمل ضربات جوية متبادلة، وتدمير للبنى التحتية الحيوية، وربما احتلال مؤقت لمناطق متنازع عليها. هذا الخيار كارثي اقتصادياً، ويجعل ملايين السكان عرضة للنزوح، ويحول كشمير إلى مقبرة مفتوحة.
السيناريو الثالث: الانزلاق النووي التكتيكي
في لحظة انهيار السيطرة، أو اختراق جبهة حيوية، قد تستخدم إحدى الدولتين سلاحاً نووياً محدوداً. الخسائر الإنسانية والسياسية ستكون لا تُحتمل، ورد الفعل الدولي سيكون ساحقاً، وقد يؤدي إلى تدخل عسكري مباشر من قوى كبرى لاحتواء الانفجار الإشعاعي والسياسي.
السيناريو الرابع: تفكك داخلي
استمرار الحرب قد يؤدي إلى تآكل الداخل الباكستاني أو الهندي، خاصة في ظل الانقسامات العرقية والدينية. قد تنشأ انتفاضات داخلية، أو انقلاب في أحد البلدين، مما يعيد رسم الخريطة السياسية الإقليمية بالكامل.
وسط هذا الجنون المحتمل، يبدو أن العالم لا يملك سوى الترقب. كل الأطراف الكبرى تنظر إلى الحرب بعين الخوف لا الرغبة، لأنها تعرف أن شرارة صغيرة في جبال الهيمالايا قد تكفي لإحراق نصف الكوكب، أو على الأقل إشعال سلسلة من التحالفات الإقليمية التي تُغلق المجال أمام التفاوض.
الهند وباكستان لا تتصارعان فقط على كشمير، بل على معنى الحدود، والسيادة، والهوية، وحتى الزمن. هذه حرب تتنفس من رئة الماضي، لكنها تسعل بدماء المستقبل. فهل سينجو جنوب آسيا من نفسه؟ أم أن العد التنازلي قد بدأ حقاً... وكل ما ننتظره هو صافرة النهاية؟