تمر يوم السبت 10 مايو 2025 سنة كاملة على واحدة من المحطات المفصلية في تاريخ الكويت الحديث، حين تم حل مجلس الأمة، وتعليق بعض مواد الدستور في 10 مايو 2024.
السنة الأولى بعد حل مجلس الأمة لا يمكن عزلها عن السياق الأكبر لقصة الكويت وتاريخها، الذي بدأ منذ الإمارة، ومروراً بوثيقة الشورى في العام 1921 ثم تأسيس الدولة الحديثة، بعد صدور الدستور في العام 1962.
وقصة الكويت الصغيرة بمساحتها الجغرافية، والعظيمة بنظامها الديمقراطي الدستوري، لم تكن رحلة ترف سياسي واجتماعي، بل كانت رحلة وعرة قادها نضال سياسي تشهد عليه ذاكرة التاريخ، وساحة الصفاة بوسط المدنية، ونادي الاستقلال، ودواوين الكويت.
لقد واجهت الكويت في العام 1990، اختباراً قاسياً عندما اجتاح السفاح صدام حسين الحدود على ظهر دبابة، وسالت دماء زكية اثناء الاحتلال العراقي، لكن المفاجأة كانت بالتلاحم الشعبي حول القيادة الشرعية داخل الكويت وخارجها، وهي حقيقة تجسدت بأجمل الصور الوطنية.
قصة الكويت وشعبها ليست شتات، وليست قصة خيال، وليست قصة نظام جاء على ظهر انقلاب عسكري، بل قصة توافق شعبي على مبايعة الحاكم دستورياً، واختيار نظام الحكم، بعد وثيقة الشورى التي نظمت وراثة الحكم من الإمارة حتى الدولة الحديثة.
الكويت قصتها مع الديمقراطية، تعثرت حيناً، وتجمدت حيناً أخر، وتعليق دستور الدولة بالكامل في بعض السنوات، لكن نبض الديمقراطية عاد إلى الحياة السياسية، نتيجة حراك بالشارع الكويتي، والدواوين اثناء تلك السنوات، وتفهم سياسي لقيمة النظام الديمقراطي.
لم تختبئ الكويت وراء عمل سياسي سري، فالكويت قناعة راسخة في وجدان الحاكم والمحكوم، لكن التناقضات السياسية أو الصرعات كانت تفتك في الكويت من مختلف الزوايا، وعلى شتى المستويات!
فالصراعات السياسية، والاجتماعية في الكويت اشعلتها نار القبلية والطائفية والفئوية والمناطقية من دون أن تكلف حكومات متعاقبة نفسها أو بالأحرى حكومة ممتدة مواجهة العبث بالوحدة الوطنية، والتصدي للعصبيات الاجتماعية!
في المقابل، الإعلام الرسمي انحاز ضد صوت الديمقراطية، وفتح أبوابه لأقلام عربية شنت حملات ممنهجة على بعض نواب الأمة، بل وجهت الشتيمة المبطنة، والمباشرة لهم، واستخفاف، واستهانة بديمقراطية الكويت!
البعض الأخر من الكُتاب العرب تبني النقد الغوغائي للديمقراطية في الكويت بتجاهل متعمد لتاريخ الكويت السياسي، ونظام الصوت الواحد الانتخابي، لممارسة مهارات الغزل مع ضيافة سخية للإعلام الرسمي على حساب المال العام!
في العام 2020، تصدت الكويت لحالة الأذى الدستوري خلال الفترة الممتدة من 2013 حتى 2020، حين "زحفت" السلطة التشريعية على صلاحيات السلطة التنفيذية، واستلاب مهامها، وقد برهن الخطاب السامي بشأن حل مجلس 2020 على تلك العوامل، وحالات الاستلاب، والأذى الدستوري.
ونتيجة ضعف الحكومة الممتدة، وصمتها، استمرأ بعض النواب في انتخابات ومجالس 2022، و2023، و2024، جرعات غوغائية مفرطة، ولغة مسمومة بالتهديد والوعيد ضد الحكومة قبل مباشرة أعمالها، وبلا شك، أنها ممارسات غير منضبطة برلمانياً ودستورياً، وتعسف باستخدام الأدوات الدستورية.
مشكلة الحكومة في الماضي البعيد، والماضي القريب، تكمن في ضعفها، وتجاهلها لمصادر الانحراف، والرضوخ للغوغائية والمساومة النيابية. لذا تتحمل الحكومة الجزء الأعظم من المسؤولية لما آلت إليه الأوضاع النيابية قبل حل مجلس 2024.
وجاز تذكير الحكومة بتقصيرها في قصة الكويت التي تعرضت للتشويه، في حين الحلول بيد الحكومة وحدها، فهي السلطة التنفيذية التي تنازلت عن صلاحياتها، وصمتت أمام الفوضى من دون تقديم مشروع نهضوي سياسي، وثقافي!
إن النضوج الفكري والسياسي ليس مولود يتيم في الكويت، بل لدينا من الشخصيات الوطنية، والثقافية التي يمكن أن تسهم بالارتقاء في الكويت نحو أفاق واعدة لتستكمل الدولة مسيرتها النيابية، ولكي نحافظ على التاريخ، وقصة نضال من أجل نظام ديمقراطي دستوري.
الكويت ليست قصة هروب من الماضي، ولا نكران التاريخ...الكويت قصة ديمقراطية منبوذة أو منفرة عند البعض، وغير مستحبة عند البعض الآخر، للأسف الشديد، من قبل حكومة ممتدة، ومجاميع متنفذة، ومؤثرة سياسياً!
قصة الكويت قبل 10 مايو 2024، تستدعي التوقف عندها، والمراجعة، والتحليل من جانب الحكومة التي تتمتع اليوم بصلاحيات واسعة، فالحكومة تتمتع بصلاحيات سلطة تشريعية تمكنها من تعديل القوانين، وتصحيح مسار العمل السياسي، وترسخ ثقافة ديمقراطية في المجتمع والدولة.
وقصة الكويت اليوم هي قصة حكومة تمتلك فرصة تاريخية لترسيخ ثقافة سياسية حقيقية، وتحقق الإصلاح السياسي الشامل، وإنجاز التنمية المستدامة، مع الحفاظ على العدالة الاجتماعية، وتنفيذ برامج، وخطط الحكومة التنفيذية قبل أن تتعرض الكويت لمزيد من التآكل الاجتماعي، والسياسي، والثقافي.
إن الحفاظ على الوحدة الوطنية بهذه المرحلة هو تمهيد جوهري، لإنجاز تعديلات دستورية واعدة، تعزز المسيرة الديمقراطية، وتؤسس، لمستقبل أكثر استقراراً.
*إعلامي كويتي