في الشَّطر الأولِ من تعريفه بأحمد كمال أبو المجد، قالَ محمود الطناحي عنه إنَّه «من كبار المشتغلين بقضايا الإسلام».
عبارة «قضايا الإسلام» عبارة تعوزها الدقة والتحديد. فكلمة «قضية» معناها مسألة تحتاج إلى إبانة وتوضيح. وإضافته كلمة «الإسلام» إلى جمعها، وهي كلمة «قضايا»، لم تبِن أو توضح ما هي «قضايا الإسلام»، أو ما هي مسائله المركزية التي تحتاج إلى مختص يتناولها بالعرض والبسط والبحث والدراسة.
إن هذه العبارة «قضايا الإسلام» من دون تحديد زمني لها، الأقرب أنها تعني الأصول التي تقوم عليها الديانة الإسلامية. وهنا نكون أمام مشكلة أو مسألة فيها إشكال. فالإسلام ليس فيه علم شامل، اسمه «اللاهوت». وهو العلم المتوفر في الديانة المسيحية. ومن باب التقريب والتجوّز يمكن أن نقول إن العلم المقابل لعلم «اللاهوت المسيحي» في الإسلام، هو علم «الإلهيات الإسلامي»، أو علم «الكلام الإسلامي».
وإن كان هذا ما يقصده محمود الطناحي، فالقارئ لكتابات أحمد كمال أبو المجد في الستينات وفي السبعينات، وإلى عام صدور كتابه «مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي، مع محاضرة عن التصحيف والتحريف» عام 1984، يعلم أنه لم يكتب شيئاً عن أصول الدين الإسلامي أو مقوماته.
إن الدارج والمستعمل لدى الدارسين في مجال «الإسلاميات» هو عبارة «قضايا الإسلام المعاصر»، أو «دراسات الإسلام المعاصر». وهذا الاختصاص تسهم فيه حقول أكاديمية شتى. ومداره التعبيرات المتعددة للإسلام في العالم الحديث. ودراساته تبحث في العلاقة بين الإسلام ومجالات الحياة المعاصرة، بما في ذلك السياسة والثقافة والقضايا الاجتماعية. تشمل مجالاته الأساسية، السلطة الدينية والمجتمعات الإسلامية والدين والسياسة والفكر الإسلامي الحديث والإسلام والثقافة المعاصرة. وتشمل هذه المجالات المجتمعات المسلمة في الغرب.
ومن الثمانينات انضم إلى هذه المجالات موضوعٌ جديدٌ؛ هو الأصولية الإسلاميَّة.
مقالات أحمد كمال أبو المجد ابتداءً من عام 1976 في مجلة «العربي»، إلى صدور كتاب الطناحي، كانت تعنى - مباشرة أو مداورة - بتناول قضية محددة من «قضايا الإسلام المعاصر»، هي قضية التطرف الديني التي حملها الحراك الإسلامي بمصر في مطلع السبعينات الميلادية، وكانت أول نازلة فيها اقتحام الكلية الفنية العسكرية عام 1974.
وكان أحمد كمال أبو المجد يتناول هذه القضية بتأمل نقدي، رقيق وعطوف، بغية إقناع أبناء التيارات الإسلامية في مصر وفي غير مصر، بالجنوح إلى الاعتدال والرشدانية والعقلانية.
بعيد صدور كتاب محمود الطناحي، صدر لأحمد كمال أبو المجد ضمن سلسلة «كتاب العربي»، كتاب «حوار لا مواجهة: دراسات حول الإسلام والعصر».
هذا الكتاب الذي صدر في 15 أبريل (نيسان) 1985، جمع لمقالات منشورة في مجلة «العربي» من بداية كتابته فيها. وهو من كتب «تنویر» الإسلاميين المعدودة في المنتصف الأخير من الثمانينات الميلادية، وفي سنوات من عقد التسعينات الميلادية.
حوار «التنوير» الذي خاضه مع الإسلاميين - والذي لم يشأ له أن يكون معركة معهم - خاضه من وقت مبكر من منظور إسلامي ليبرالي، فتاريخه - كما ترون - يعود إلى منتصف السبعينات الميلادية. وقد اختار أن يكون مكانه مجلة ذائعة في العالم العربي، هي مجلة «العربي»، التي كان مأذوناً لها بدخول كل البلدان العربية منذ نشأتها، والتي يشترك في الإقبال عليها خاصة القراء وعامتهم.
إن الإشارة في التعريف به إلى أنَّه ذو اتجاه إسلامي مستنير، إشارة مهمة، فالمستنيرون والمنوّرون في الإسلاميين في وقت صدور كتاب الطناحي، كانوا قلة وأقلية في اتجاه مغمور بالظلاميين.
إنَّ التعريف بكاتب أو دارس يكون بما يتمايز به عن غيره، من زملائه في الاتجاه أو رفاقه الحزبيين. استشعرت بغياب هذه الناحية - أيضاً - حين عرّف بمحمد رشاد سالم. ما يتمايز به محمد رشاد سالم عن أبناء جيله من جماعة الإخوان المسلمين، أنه في الجامعة درس الفلسفة، وتخصص في الدراسات العليا بالفلسفة الإسلامية. وتمايز عنهم بأنه اتجه إلى صنعة التحقيق، وإن كان اتجاهه هذا قصره على تراث ابن تيمية. فمن المفارقات أن الإسلاميين عموماً - إذا ما استثنينا اسم المحقق عبد البديع صقر - لم يتجهوا إلى تحقيق التراث الديني الإسلامي إلا في وقت متأخر من القرن الماضي!
استكمالاً لمناقشة الطناحي في قوله: «هؤلاء هم شباب مصر في تلك الأيام، وكلهم الآن خارج مصر»، حين عرّف بأربعة من أعضاء «لجنة الشباب المسلم»، استأنف المناقشة بثالث المعرف بهم، وهو جمال الدين عطية.
جمال الدين عطية تعرض للسجن في سجنة الإخوان المسلمين الأولى، ولم يتعرض له في عهد رجال الثورة. ربما لأنه هاجر إلى الكويت للعمل في سلك المحاماة. وقد فضل العيش خارج مصر، متنقلاً بين بلدان مختلفة، ربما لأنه - كما تقول مروية الإخوان المسلمين عنه - كان من شبابه ينتقل من نجاحات إلى نجاحات جديدة.
وأختم المناقشة برابعهم، عبد الحليم محمد أحمد الذي عرّف به الطناحي، بأنه صاحب مكتبة دار القلم بالكويت.
أذكر في قراءتي الأولى لما كتبه الطناحي عن «لجنة الشباب المسلم» في كتابه «مدخل إلى نشر التراث العربي...»، أنني كنت أجهل هذا الاسم، ومع قراءتي تالياً لما كتبه عبد المجيد دياب عنها في كتابه «تحقيق التراث العربي: منهجه وتطوره»، وتدقيقي في سرقته من الطناحي، كان مما لفت نظري في سرقته قوله في تعريفه بهذا الاسم: «أحد الذين توفروا على استخراج فكر ابن تيمية وإبراز كنوزه، وخرّج (!) له جزأين (!) من (منهاج السنة النبوية)، وصاحب مكتبة القلم بالكويت»، فهو اجتزأ من تعريف الطناحي بمحمد رشاد سالم وصاغه بركاكة لغوية، واستعمله في التعريف بعبد الحليم محمد أحمد!
خطؤه هذا استحثني على معرفة من هو عبد الحليم محمد أحمد.
بعد البحث عمن هو صاحب هذا الاسم من خلال اسمه الثلاثي، عرفت أنه هو المشهور باسم عبد الحليم أبو شقة. أبو شقة صحيح أنه سجن لمدة وجيزة في عهد رجال الثورة، لكنه هو الذي اختار أن يقيم لعقود طويلة خارج مصر. وللحديث بقية.