محمد سليمان العنقري
صدور تحديث لنظام تملك الأجانب للعقارات في المملكة كان منتظراً منذ فترة لأنه يندرج تحت السياق الطبيعي للانفتاح الاقتصادي للمملكة بعد إطلاق رؤية 2030، والتي تقترب من إكمال عقدها الأول حيث حققت العديد من المستهدفات التنموية واستكمالاً لهدف زيادة جذب الاستثمارات الأجنبية، فإن تحديث هذا النظام يعد ضرورة أساسية نظراً لفوائده على المدى المتوسط والبعيد، وقد علق وزير البلديات والإسكان ماجد الحقيل على القرار بأنه «خطوة نتطلع أن تسهم في تحفيز الاستثمار في القطاع ورفع جودة ووفرة المعروض العقاري من خلال استقطاب المستثمرين وشركات التطوير العقاري، بما ينسجم مع التوجهات الرامية لتحقيق التوازن العقاري، ويواكب الحِراك الاقتصادي والاستثماري في ظل رؤية 2030».
من خلال هذا التصريح تتضح أهم معالم تحديث النظام، فالتركيز الأساسي هو تحفيز الاستثمار في القطاع العقاري، فهناك شركات عالمية تنظر للسوق السعودي بأن الفرص فيه كبيرة وواعدة، ولذلك دخول هذه الشركات سيضيف منافع عديدة؛ منها تطوير منتجات متنوعة بطرق بناء متقدمة وزيادة في التنافسية بالسوق وارتقاء كبير في صناعة التطوير العقاري مع تدفق أموال من الخارج والتي ستساعد في تسريع عجلة النهضة العقارية؛ فحجم الأراضي القابلة للتطوير ضخم والاحتياج كذلك، ولا يمكن الاعتماد فقط على التطوير من شركات محلية لإنجاز هذا الكم الهائل من الفرص الممكنة وهو نمط طبقته الكثير من الاقتصادات المتقدمة بأن تفتح المجال لمطورين ومستثمرين عقاريين من الخارج لزيادة الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد، وسيسهم ذلك بالضرورة في زيادة أكبر بنمو أعمال الأنشطة المرتبطة بالسوق العقارية والتي تقارب 110 أنشطة؛ مما يعني زيادة بالاستثمارات فيها، وأيضاً بالتوظيف، كما أن دخول شركات عالمية لسوق العقار سيساهم بتوطين خبرات يحتاجها السوق ليكون تنافسياً في المنطقة والعالم، وسيؤثر كذلك إيجاباً على رفع مستوى الابتكار في التسويق وبمنتجات التمويل والاستثمار عموماً، وبالتأكيد تحقيق ذلك سيكون على مدى سنوات وليس فترات قصيرة؛ لأن الهدف من النظام المحدث هو استراتيجي ومستدام.
كما أن معايير الجودة بالمنتجات العقارية سترتفع والمعروض سيزداد بشكل يساهم في حلول توازن السوق، إضافة إلى أن هذا النظام سيسهم في جذب الاستثمارات للمدن الاقتصادية ونيوم وغيرها من المدن التي تحظى بمشاريع تنمية كبيرة أي أن الأمر لن يقتصر على المدن الكبيرة، فهناك حاجة لزيادة مشاريع التطوير العقاري بالقرب من المدن الصناعية والمناطق السياحية الجديدة؛ حيث إن الرؤية قائمة على توزيع التنمية بكافة المناطق للاستفادة من الإمكانات الكبيرة في اقتصاد المملكة والتي ستتطلب زيادة بالمنتجات العقارية مع تسارع نمو الاستثمارات في تلك المدن إضافة لما سيضيفه القطاع اللوجستي من مواقع مهمة في مدن عديدة ستوفر فرص عمل كبيرة، وستعكس الحاجة لخدمات متنوعة ولمنتجات عقارية.
كما أن جذب الاستثمارات للمملكة، والذي يعد من أهم ركائز نجاح الرؤية حيث تستقطب المملكة شركات عملاقة بمختلف المجالات التقنية والصناعية والخدمية وهو ما يعني زيادة سكانية من شرائح مهمة بتخصصات عديدة وبدخل مرتفع، فإذا ما كان هناك نظام يسهل لهم التملك نظراً لكون الأعمال بالمملكة ستحقق نمواً مرتفعاً جداً ومميزاً على مستوى المقارنة مع مجموعة العشرين، فإن استقرار هذه الشريحة من مستثمرين ومن تنفيذيين وأصحاب تخصصات دقيقة من خلال زيادة ارتباطهم بالمملكة يحقق منافع استقرار جزء من دخلهم محلياً بدلاً من تحويله للخارج، إضافة إلى أنه في حال اكتمال كافة المشاريع الرئيسية في مجالات اللوجستك والسياحة والصناعة عامةً والتعدينية تحديداً فإن حجم النشاط الاقتصادي متوقع له أن يحقق نموا كبيرا بالناتج المحلي؛ مما يعني إمكانية قدوم مشترين للعقارات بالمملكة من غير المقيمين، كما هو الحال بالاقتصادات التي حققت نمواً كبيراً وتنوعاً ضخماً باقتصادها وزادت من أعداد القادمين لها للاستثمار، والتملك خصوصاً أن برنامج جودة الحياة في المملكة يشهد تقدماً كبيراً ومتسارعاً ومتميزاً في المنطقة، وهو عامل مساعد جداً في جذب المستثمرين من الخارج فهم هدف لكل الاقتصادات العصرية التي تعمق من شراكاتها الدولية لتعزيز قوة اقتصادها.
تحديث نظام تملك غير السعوديين هو خطوة مكملة لما يشهده الاقتصاد الوطني من تطور وانفتاح على الخارج لتنويع مصادر الدخل وتحقيق معدلات نمو تولد فرص عمل نوعية للمواطن عبر جذب المطورين العقاريين الأجانب، الذي سيسرع من نشاط التطوير بشكل لافت، وهذا ما يسهم بتحقيق المستهدفات المرصودة للنهضة العقارية التي ينتظر أن تضيف ملايين الوحدات السكنية، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا بسياسات مرنة في الاستثمار واستقطاب الشركات العالمية للسوق؛ فمن الواضح أن التوجه هو لتغيير جذري في مفهوم الصناعة العقارية نحو مستويات تنافسية عالمية تتيح منتجات مناسبة لكل الشرائح، والخروج من نمطية التطوير التقليدي تماماً حتى يكون السوق متوازناً وميسراً للاستثمار والتملك مما يمنع الفقاعات السعرية؛ سواء بسوق التأجير أو التملك وينعكس بدعم النمو المستدام بالاقتصاد.