: آخر تحديث

حاضر وإن مات

4
4
4

خالد بن حمد المالك

في كامل صحته وعافيته، وحين كان مريضاً وحتى عندما انتقل إلى رحمة الله، هو ذاته ذلك الإنسان النقي الذي ينطبق عليه: الحاضر الغائب، نسبة لمقامه وقيمته ومحبة الناس لشخصيته، بما يتمتع به من صفات أكبره فيه عارفوه، وكل من كانوا قريبين منه، أو ارتبطوا به في زمالة عمل، أو صداقة، أو قرابة، أو جمعتهم فيه جيرة، أو رحلة سفر، أو كان له موقف جميل معهم.

* * *

هذا هو عبدالرحمن صالح الشثري، الرجل الذي عرفناه بخلقه، وحديثه الأنيس، ومحبته للناس، وبيته المفتوح كما لو أنه منتدى لجمع الأحبة، ولقاء الأصدقاء، وزرع القيم والمثل بإكثار الحديث عنها في أجواء يوفرها منزله العامر، وصدره الواسع، ونقاء السريرة، والاحترام المتبادل بينه وبين الحضور.

* * *

عرفناه صحفياً في بواكير شبابه، وقيادياً ملهماً في الحرس الوطني، قبل أن يتحول الحرس إلى وزارة، وقد كان يخدم هذا القطاع بفكره الإعلامي، وخبرته في العلاقات العامة، وإن تطلب الأمر لإنجاح دوره في هذا القطاع العسكري ستجده وقد ارتدى البدلة العسكرية وهو المدني بين العسكريين، شغفاً منه بما أنيط به من عمل، واستمتاعاً بالنجاحات التي كان ينال عنها الثناء والتقدير من الملك عبدالله بن عبدالعزيز حين كان رئيساً للحرس الوطني رحمه الله.

* * *

كان الحرس الوطني يقيم مناوراته السنوية لعناصره العسكريين في حائل والأحساء والقصيم والرياض وغيرها، وكان الفقيد عبدالرحمن الشثري شعلة من النشاط، يعمل دون أن يتوقف ليلا ونهاراً، لخدمة رؤساء التحرير الذين كانوا يدعون لحضور المناورات، وتمكينهم من الحصول على المعلومات، وترتيب اللقاءات لهم مع الملك عبدالله واللقاءات الأخرى المدنية والعسكرية، بل والاطمئنان على راحتهم، مردداً بأن ما يفعله ويقوم به إنما هو توجيه ومتابعة من الملك عبدالله شخصياً.

* * *

اليوم يغيب عنا الأستاذ عبدالرحمن الشثري، بعد أن عانى طويلاً من المرض، وظل رغم معاناته، حريصاً على أن يكون على تواصل مع محبيه، يجتمعون في منزله، فيكون بين مريديه مصدر الهام لكثير من المناقشات والمداعبات، بوجهه البشوش المشرق، وروحه الطيبة، واحترامه لوجهات النظر، وإذكاء أهمية أن يتمتع مجلسه بتبني كل فكر خلاق وجميل.

* * *

من بين مآثره الإنسانية -وهي كثيرة- ولابد من التنويه عنها، تبنيه لمراكز غسيل الكلى، فقد أوحت لديه عدم اكتفاء بعض المدن من هذا النوع من المراكز بعد أن مر بفشل كلوي، وتبين له الحاجة إليها، فقام بجهد كبير، نجح فيه بإقامة عدد من المراكز، مما يذكر له ويشكر عليه، ولعلها تكون إن شاء الله ضمن ميزان حسناته، وقد لقي ربه راضياً مرضياً إن شاء الله.

* * *

بقي أخيراً أن أقول: إن مثل هذا الرجل إن لم يكرّم في حياته، فحان الوقت لتكريمه بعد وفاته، بتسمية شارع من شوارع الرياض باسمه، فلعل الجهة المسؤولة تسارع في تحقيق ذلك، وعلى أبنائه -من جهة أخرى- وجميعهم مؤهلون كتابة سيرته في الحياة، وتوثيق تجاربه الإنسانية ليستفيد منها من يستفيد ممن تلهمهم أعماله الخالدة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.