زيارة الدولة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تركت انطباعات متناقضة لدى البريطانيين. حكومة كير ستارمر، وتيارات اليسار الساعية إلى العودة لأحضان الاتحاد الأوروبي عَدّتها إيجابية، خصوصاً في مجال الدفاع الجماعي عن أوروبا. في المقابل، صحافة الوسط واليمين والتيارات الشعبية انتقدت ما عَدّته إهانة الزعيم الفرنسي للأمة البريطانية. وترى اتفاقيته مع ستارمر على «تجربة تبادل» أعداد رمزية من مهاجري القوارب اللاشرعيين بأعداد مماثلة من فرنسا، «لعبة مكشوفة» لتبدو الحكومة تتخذ إجراءات للحد من الهجرة.
في المؤتمر الصحافي المشترك، وجّه ماكرون اللوم لبريطانيا لافتقارها لسياسة تردع مهاجري القوارب عن الرحلة الخطيرة عبر بحر المانش؛ وعجزها عن إنهاء عوامل جذب مهاجري العالم الثالث، فيفضلون بريطانيا على فرنسا وبلدان أوروبية أخرى. فلا توجد بطاقات تحقيق هوية في بريطانيا، أو قوانين تلزم صاحب العمل بالتأكد من قانونية أوراق العامل، إلا في حالة توظيفه فقط، وهو ما لا يشمل عمال يومية التعاقد الحر، مثل موصّلي طلبات المنازل. وقال ماكرون إن «بريكست» حرمت بريطانيا من إعادة غير الشرعيين إلى أوروبا، وأهانت البريطانيين باتهامهم بابتلاع «كذبة بريكست».
تجربة التبادل لا يستطيع ماكرون تمريرها في البرلمان الفرنسي، بعد أن فقد حزبه الأغلبية في 2022، بجانب معارضة عمد وبلديات مدن مثل كاليه التي تعاني من تجمع المهاجرين على ساحل المانش.
وتطبيق التجربة يتطلب موافقة الاتحاد الأوروبي، الذي يُسيطر على مفوضيته مزاج معاقبة البريطانيين على «بريكست»، وعرقلة أي اتفاقيات ثنائية بين لندن ودول الاتحاد. قوانين تنظيم اللجوء (أياً كانت الأسباب) توجه طالبي اللجوء إلى تقديم استمارات الطلب في أول بلد آمن. وأغلبية المهاجرين غير الشرعيين على شاطئ المانش من أفريقيا وآسيا أتوا عبر بلدان مثل اليونان، وإيطاليا، وقبرص، وإسبانيا، ومالطا، وتخشى هذه البلدان إعادة فرنسا مهاجري تجربة التبادل إليها، فمن المتوقع أن تبذل أقصى الضغوط على المفوضية، بما فيها التصويت في المجلس الأوروبي والبرلمان الأوروبي على رفض التجربة الأنغلوفرنسية.
في العام الأول لحكومة ستارمر وصل 45 ألف مهاجر غير شرعي بالقوارب إلى بريطانيا، بمعدل 860 في الأسبوع، وحتى في حال نجاح التجربة ستترجم إلى إعادة مهاجر واحد من كل 17 شخصاً. والمهاجر الذي دفع مبالغ كبيرة للمهربين، وتحمّل مخاطر الغرق في البحر، لن تثنيه تجربة التبادل عن عزمه؛ كما أنه في حالة سوء الحظ بنسبة 1 إلى 17 لن يرحل إلى العالم الثالث أو إلى بلده الأصلي، وإنما إلى أوروبا، وسيحاول إعادة الكرة. أي ليست رادعاً كخيار نقلهم إلى رواندا للنظر في طلبات اللجوء التي قدموها. لكن حكومة ستارمر ألغت سياسة رواندا، رغم إنفاق حكومة المحافظين أكثر من 700 مليون جنيه عليها.
مساعدو ستارمر ووزيرة الداخلية إيفيت كوبر عاجزون عن الإجابة عن تحديد عدد المهاجرين الذين يتوقعون إعادتهم إلى فرنسا في تجربة الـ«50 أسبوعياً»! خصوصاً أن المحامين الذين احترفوا سلك عرقلة مساعي ترحيلهم (يتلقون الأتعاب من دافع الضرائب من نظام «المساعدة القانونية») لا شك سيكررون الممارسات، التي أتقنوها في تحدي نظام رواندا.
كما يراوغون في الإجابة عن كيف سيتم اختيار 50 شخصاً من بين أكثر من 860 يصلون أسبوعياً (قد يتزايدون بعد إلغاء خيار رواندا) ؟ وهل سيتم احتجاز كل المهاجرين غير الشرعيين فور وصولهم؟ وأين؟
وحتى لو نجحت التجربة الستارمرية الماكرونية في ترحيل الحد الأقصى (الذي لا يصدقه أحد) وهو 50 أسبوعياً، فإن الاتفاقية تشترط قبول عدد مطابق من مهاجرين على أرض فرنسية، وطالبي اللجوء إلى بريطانيا - أي لن تسهم التجربة إيجابياً في إنقاص عدد المهاجرين غير الشرعيين إذا تكرر رقم الـ45 ألفاً العام التالي، سوى استبدال عدد مقابل من مهاجرين شرعيين بـ2600 «غير قانونيين».
الهجرة، شرعية أو لا شرعية، قضية ملحة للناخبين، ووراء انصرافهم عن التصويت للحزبين الكبيرين والتوجه لحزب «الإصلاح». هذا الأسبوع وقف زعيم الحزب، نايجل فاراج ليسأل ستارمر في البرلمان بشأن الهجرة، فتعالت أصوات نواب الحكومة العمالية وأصوات نواب الأحزاب اليسارية من مقاعد المعارضة حول فاراج، لمنعه من إكمال السؤال. استطلاعات الرأي في اليوم التالي، منحته 13 في المائة من أصوات الناخبين، فيمن يعتبرونه زعيم الحزب الأفضل أداءً سياسياً، في حين منحت رئيس الوزراء ستارمر 6 في المائة فقط.