: آخر تحديث

حزبان جديدان... ولا جديد

4
4
4

حزبان جديدان ظهرا فجأة في كل من أميركا وبريطانيا على التوالي. الأول في أميركا أعلن تأسيسه رجل أعمال مشهور هو إيلون ماسك. والثاني في بريطانيا أعلنت تأسيسه نائبة عمالية مستقلة برلمانياً اسمها زارا سلطانة. تزامُن ظهور الحزبين في وقت واحد لم يكن بتدبير وتخطيط، بل محض صدفة، ويا لها من صدفة. توقيت إعلان تأسيسهما في هذا الوقت، وهذه المرحلة، لا يخلو من إشارات استفهام وتعجّب.

الحكاية في أميركا بدأت بسؤال طرحه إيلون ماسك في إدراج إلى متتبعيه على الإنترنت يوم 4 يوليو (تموز) الحالي، الذي يوافق الذكرى الـ249 لإعلان استقلال أميركا. سؤال ماسك كان: «هل يجب علينا تأسيس حزب أميركا؟».

60 في المائة من مجموع 1.2 مليون شخص، من الجنسين، أجابوا بـ«نعم». النسبة العالية من الردود الإيجابية جعلت إيلون ماسك يعلن بثقة، في إدراج لاحق، ولادة حزب سماه «حزب أميركا». الغرض من الحزب، كما قال، «استعادة الديمقراطية الأميركية».

في بريطانيا، وفي الفترة الزمنية نفسها، أعلنت نائبة مستقلة برلمانياً حالياً، لكنها ما زالت عضواً في حزب «العمال»، اسمها زارا سلطانة تأسيس حزب يساري جديد بالتشارك مع الزعيم السابق لحزب «العمال»، والنائب البرلماني المستقل حالياً، جيريمي كوربِن. صار الآن لدينا مشروعان سياسيان لحزبين: أميركي وبريطاني. الأول يميني والثاني يساري.

تجارب الماضي غير البعيد، في البلدين، لا تسند ولا تدعم إيلون ماسك، أو زارا سلطانة وجيريمي كوربِن، أو غيرهم. إذ من السهولة بمكان إعلان تأسيس حزب سياسي وأكثر. لكن الإعلان التأسيسي يبقى حبراً على ورق، ما لم تكن للحزب على الأرض قواعد شعبية وقوى اقتصادية تدعمه سياسياً ومالياً وانتخابياً. في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى استثناء ممثَّل في الأحزاب الكثيرة التي أسسها نايجل فاراج خلال السنوات الأخيرة، وآخرها كان حزب «الإصلاح».

اللافت للاهتمام أنها جميعاً أحزاب ببرنامج أحادي: مناوءة الهجرة غير القانونية. لكن حزب الإصلاح الحالي، على عكس التوقعات، يزداد قوة وانتشاراً بين الناخبين، ويهدد بتكسير احتكار الحزبين الرئيسيَّين في بريطانيا للحكم. التقارير الإخبارية المبنية على استبيانات الرأي العام، تقول إنَّ الحزب سيحصل على أغلبية المقاعد في البرلمان، لو عُقدت الانتخابات خلال أسبوع. لكن إيلون ماسك وزارا سلطانة ليسا نايجل فاراج.

«حزب أميركا» الذي أسسه ماسك لا نعرف من تفاصيله شيئاً، ولا يعدو أن يكون مجرد رد فعل من طرف مؤسسه ضد حليفه السابق، الرئيس دونالد ترمب؛ لأن الأخير رفض الأخذ بنصيحته فيما يتعلق بمشروع قانون أجازه الكونغرس بغرفتيه أخيراً، وأطلق عليه اسم: «القانون الواحد الكبير والجميل».

مشروع حزب زارا سلطانة وجيريمي كوربِن، حافظ على تقاليد اليسار البريطاني بأن وُلد مجهضاً. بمعنى أن مؤسسيه اختلفوا وانقسموا حوله قبل حتى أن يولد. أضف إلى ذلك، استنادا إلى تقارير، أن جيريمي كوربن فوجئ بإعلان تأسيس الحزب واختياره قائداً مشاركاً له. ويقال إن وراء تأسيسه مجموعة من القيادات اليسارية الشبابية، وعلى رأسهم النائبة المستقلة والطموحة زارا سلطانة. ما صدر من تقارير قليلة حول مشروع الحزب يتفق على أن الحزب لا يحظى بمباركة ودعم جيريمي كوربن، ويبدو أنه وُرّط قصداً من قبل آخرين لوضعه أمام أمر واقع. أضف إلى ذلك أن كثيراً من نواب حزب «العمال» المحسوبين على التيار اليساري فيه، أعلنوا رفضهم الانضمام إليه.

السبب وراء تأسيس الحزب اليساري يتمثل في غضب التيار اليساري العمالي من موقف قيادة حزب «العمال» مما يحدث من إبادة جماعية وتجويع في غزة ضد أكثر من مليونَي فلسطيني. أما السبب الثاني فهو التهميش الذي يتعرض له التيار اليساري في الحزب منذ وصول السير ستارمر إلى قيادته.

مشروعا الحزبين رغم الاختلاف بينهما سياسياً، فإن حظهما من الظهور والبقاء في الساحتين لا يختلف عن حظ الدقيق المبعثر لمَن أراد جمعه. المؤسسون للحزبين لا يجهلون تجارب الماضي في الساحتين.

فارق العمر بين ماسك وكوربن يؤخذ في الاعتبار، ولصالح الأول منهما. بمعنى أن صغر سنّ ماسك وقلة خبرته سياسياً قد يشفعان له ما فعل. وبإمكانه في حالة فشل مغامرته الحزبية، ترك العمل السياسي، والتركيز على عالم الأعمال الذي نبغ فيه وحقق نجاحاً.

في حين أن جيريمي كوربِن، سياسي مخضرم، لا تعوزه الخبرة ولا تنقصه التجربة السياسية. وقبوله تأسيس الحزب، إن صحَّ، يعدّ مغامرة لن يناله منها سوى وجع الرأس، وتحسب ضده.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.