منذ بدأت الكتابة في جريدة "إيلاف" الإلكترونية الدولية في العام 2021، لم تكن وتيرة النشر منتظمة بالبداية، لكنها استقرت في العام 2022، إثر قرار شخصي ومهني، دفعني لاتخاذ قرار التوقف عن النشر في صحيفة كويتية بعد رحلة امتدت لعشرات السنين.
مع "إيلاف"، وجدت منبراً جديداً، ومساحة أرحب للتعبير، وبدأت التركيز على تحليل جمهور هذا المولود العربي الإلكتروني الدولي الأول من نوعه، في محاولة لفهم طبيعة الموضوعات التي تهم جمهوراً غير تقليدي، يختلف كثيراً عن قراءة الصحافة الورقية الكويتية وجمهورها.
تنوعت موضوعات مقالاتي إلى حد معقول، لكن الشأن الكويتي ظل يحتل المساحة الأوسع من اهتمامي، حيث تصدرت مقالاتي القضايا الإعلامية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكان الشأن الكويتي واضحاً في أغلبها.
فالكاتب، بطبيعته، وعن وعي وإدراك، ينحاز إلى وطنه، ويولي تحليله وجهده لما يشهده وطنه من تطورات متسارعة أو حتمية، لذا حظت الكويت باهتمام استثنائي منذ وفاة الأمير الشيخ جابر الأحمد طيب الله ثراه.
لقد كانت لحظة مبايعة مجلس الأمة للأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد مفصلية في التاريخ السياسي الحديث للكويت، إذ حسمت المبايعة الجدل بشأن الظروف الصحية لولي العهد الراحل الشيخ سعد العبدالله.
من خلال "إيلاف"، تدربت على نمط جديد من الكتابة، ولامست الفرق الشاسع في مساحة الحرية، والتعبير مقارنة بالصحافة الكويتية، التي باتت تقيدها قوانين نشر صارمة، ومصالح تجارية تؤثر على الحياد الذي تميزت به صحافتنا في مراحل مبكرة من تاريخها.
منذ انتخابات مجلس 2022 التي ابطلتها المحكمة الدستورية، ثم انتخابات 2023، وانتخابات مجلس أمة 2024، وحل المجلس في 10 مايو 2024 وتعليق بعض مواد الدستور، تمحورت غالبية مقالاتي عن الكويت، ووجدت تفاعلاً استثنائياً من المراقبين والمتابعين والمهتمين في الشأن الكويتي.
حرصت دوماً على الحياد في تحليل الاستفهامات عن الكويت، التي شهدتها العاصمة لندن مع نخب سياسية وأكاديمية بريطانية وعربية، سعياً لفهم أعمق لما ينشر ويثار عن الكويت في الخارج، وحرصاً على إيصال الحقيقة بموضوعية من دون تهويل أو تأويل للمقاصد.
لم أكن يوماً ضمن من يروجون لصوت "المعارضة النيابية" في مجلس الأمة، كما أنني كنت واضحاً في انتقادي للمرحلة النيابية الممتدة من 2013 حتى 2020، وهي مرحلة كئيبة، ورمادية، برلمانياً.
لقد جاء الخطاب السامي بشأن حل مجلس 2020 نتيجة "زحف" السلطة التشريعية على صلاحيات الحكومة، ليعزز قناعتي بصحة تحليلي وموقفي اثناء تلك المرحلة، وتبرير قسوة رأيي على بعض النواب الوزراء.
منذ العام 2024، لاحظت بوضوح الانتشار الواسع لمقالاتي حول الكويت، وبلغ الاهتمام بها حداً دفع بعض الأصدقاء، والمعارف، والقراء عموما، لطرح الأسئلة والتعليق، في حين انتقد آخرون من خارج الوسط السياسي مقالاتي دون إساءة أو تجريح، وهو ما أقدره كثيراً.
ما أثار انتباهي مؤخراً، هو تكرار تصدّر مقالاتي زاوية "الأكثر قراءة" في جريدة "إيلاف"، سواء في المركز الأول أو الثاني أو الثالث على مدى أيام النشر.
ولا أرى في هذا التصدر أي مجاملة من أسرة تحرير جريدة "إيلاف"، بل أرجح أن التصنيف الرقمي وحده هو العامل الحاسم، بناء على نسب القراءة، والانتشار.
بيت القصيد، ليس في الاستمرار بصدارة "الأكثر قراءة"، بل في مدى استعداد الجهات الرسمية الكويتية لتحليل مضمون هذه المقالات وما بين سطورها، والاستفهامات المثارة، والاستفادة من اجتهاداتي الفردية التي احرص فيها على الابتعاد عن المحظور السياسي مع احترام الدستور، والقانون.
كما سعيت جاهداً لممارسة رقابة ذاتية متوازنة تتيح النقد المباح، وتحليل وجهات نظر غربية لا تتوقف عند حدود معينة، ولا تدرك في أحيان كثيرة طبيعة التعقيدات السياسة، ونصوص الدستور والقانون في الكويت، وذلك بهدف توضيح الصورة، وصون المصالح الوطنية.
لزاماً، أجدد جزيل الشكر والتقدير لأسرة تحرير جريدة "إيلاف"، ولكل القراء والمتابعين الكرام، ولكل من قدم نصيحة أو وجه نقداً موضوعياً، والشكر موصول لكل من التزم بالنقاش دون إساءة أو تشهير أو إقصاء للرأي المغاير.
* إعلامي كويتي