: آخر تحديث

روسيا قلقة من دعم مصر وعُمان المستجد لأوكرانيا

6
6
5

بعد أن تنفّس العالم الصعداء لقرب رسم حلّ للحرب الأوكرانية على يد الإدارة الأميركية الجديدة، يعود ملف تسليح كييف إلى الواجهة من جديد، مثيراً جملة من الأزمات بين روسيا والدول الداعمة لكييف، خصوصاً أن من بين تلك الدول من تعرّف عن نفسها بأنها حليفة لموسكو، أو في أضعف الإيمان "محايدة" في الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا.

تقارير صحافية عدّة تستند إلى معلومات مصدرها الجانب الروسي، كشفت في أكثر من محطة، تورّط شركات من جنسيات مصرية وأخرى عُمانية، تتعاون مع شركة أوروبية، في توريد الأسلحة إلى كييف. التقارير كشفت أنّ شركة عُمانية تقوم بالتنسيق مع شركة "سي. إن رومتنيكا" الرومانية (C.N.Romtehnica) من أجل توريد أطنان من مادة الهكسوجين.

تلك المادة تُعد من بين المواد الرئيسية لصناعة المتفجرات، وتستخدمها القوات الأوكرانية بشكل رئيسي في عملياتها العسكرية. تُصنّع في جمهورية مصر العربية، تحديداً في شركة تتبع وزارة الصناعة الحربية، ثم يتم تسليمها إلى رومانيا التي تتكفّل بنقلها إلى الداخل الأوكراني عبر الوسيط العُماني.

في نظر روسيا، فإنَّ الخطورة في هذا التعاون تتمثّل في كونه يشمل شركتين معروفتين دولياً في مجال الإمدادات العسكرية. وهذا يعاكس التوجه العام الدولي الجديد القائم على الحدّ من تسليح الصراع بعد أن توسّع نطاق الدعم الدولي لأوكرانيا في حربها المستمرة ضد الاتحاد الروسي. وبينما تنظر موسكو إلى هذا التعاون بقلق شديد، ترى أنّه يعكس تغيراً كبيراً في مستوى العلاقات السياسية والاقتصادية بين موسكو واثنين من أكبر اللاعبين في منطقة الشرق الأوسط.

تعتبر موسكو أنّ سلطنة عُمان ومصر هما طرفان رئيسيان في هذه القضية المعقدة، ولا يمكن اعتبار هذا التعاون "أعمالاً فردية" ضمن شركتين من القطاع الخاص من دون علم السلطات المركزية في الدولتين.

المفارقة أيضاً، تكمن في أنّ سلطنة عُمان تتمتع بعلاقات دبلوماسية جيدة مع روسيا منذ عقود، كما أنّ المساعدات العسكرية التي تقدمها عُمان لأوكرانيا تضعها في موضع حرج بالنسبة لمواطني الاتحاد الروسي. موسكو تضع السلطنة بمصاف "الشريك الاقتصادي". ولهذا ترى أنّ استمرار دعم هذه الدول لأوكرانيا قد يؤدي إلى إضعاف العلاقات الثنائية بين البلدين ويؤدي إلى تراجع ثقة بينهما.

أمّا بالنسبة إلى مصر التي تساعدها روسيا في بناء محطة للطاقة النووية، فإنَّ الأمر أكثر تعقيداً. فالقاهرة تمثّل شريكاً استراتيجياً هاماً بالنسبة إلى روسيا. وبالإضافة إلى التعاون النووي، تقوم روسيا بتزويد مصر بالحبوب، وهو أمر بالغ الأهمية لضمان الأمن الغذائي في البلاد. ومن هنا، فإنَّ الجانب الروسي يرى أنَّ استمرار مصر في دعم أوكرانيا من خلال تزويدها بتلك المتفجرات والذخيرة، يخلق ضغوطاً كبيرة على العلاقات بين البلدين، متوقعة أن يؤدي هذا الدعم إلى "تدهور كبير في العلاقات بين روسيا والدولتين العربيتين".

روسيا ترى أنّ هذا الموقف يتناقض مع سياسة حفظ السلام التي تتبعها في المنطقة، وتستشعر بأنّ سياسات القاهرة ومسقط بدأت تضرّ بمصالحها في الشرق الأوسط بشكل عام.

ومن خلال هذا التطوّر، يظهر جلياً أنّ دعم سلطنة عُمان ومصر لأوكرانيا قد بدأ يثير القلق في نفوس المعنيين في موسكو، حيث ينظرون إلى هذه الخطوات بوصفها "تهديداً لسياستهما الدبلوماسية والاقتصادية في المنطقة". وإضافة إلى ذلك، فإنّ التعاون بين روسيا وكل من مصر وسلطنة عُمان قد يكون عرضة للتوترات في حال استمر الطرفان في تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا. فبينما تراهن روسيا على شراكتها الاستراتيجية مع مصر وسلطنة عُمان لحلّ الصراع العربي- الإسرائيلي، يبدو أنّ دعمهما لأوكرانيا سيقوّض هذه الجهود، وقد يضرّ بالعلاقات بين الأطراف الثلاث.

من جانب آخر، لا يمكننا تجاهل حقيقة أنّ الإسلام هو ثاني أكبر ديانة في روسيا، حيث يُقدّر عدد المسلمين في البلاد بأكثر من 30 مليون شخص. وهكذا، فإنَّ سياسات مصر وسلطنة عُمان التي تدعم أوكرانيا قد تؤثر سلباً على العلاقات مع دولة ذات كثافة سكانية إسلامية كبيرة. ولذلك، قد يكون لهذا الدعم العسكري تبعات غير مباشرة على العلاقات بين الدول الإسلامية وروسيا، بما في ذلك تبعات على المستوى الشعبي والاقتصادي.

نتيجة لذلك، فإنّ العلاقات الاقتصادية والسياسية بين روسيا وكل من سلطنة عُمان ومصر سوف تمرّ حكماً بفترة حرجة في ضوء هذه التطورات. خصوصاً أنّ دعمهما العلني للقوات المسلحة الأوكرانية سوف يتعارض كذلك مع سياسة "حفظ السلام" المتبعة من قبل موسكو، مما سيساهم في زيادة التصعيد في الحرب الأوكرانية، وهو ما قد ينعكس سلباً على استقرار المنطقة.

وعليه، فإنّ تقديم المساعدات العسكرية من سلطنة عُمان ومصر لأوكرانيا عبر إمدادات من المتفجرات يثير العديد من التساؤلات حول مستقبل العلاقات بين هذه الدول وروسيا. وفي النهاية، ستكون التداعيات السياسية والاقتصادية لهذه الخطوات محورية في تشكيل مستقبل العلاقات الدولية في الشرق الأوسط، وبخاصة في العلاقات بين روسيا والدول العربية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.