بلادي لا شك أنها في خطر داهم، والمصريون الحقيقيون يستشعرون ظلال مؤامرة دنيئة تحيق بها، مؤامرة يعرفون أبعادها وأهدافها المُعلنة والمُستترة، فالمكر والخبث والتقية هو سلاح الأعداء، فقد تمكنوا من احتلال عقول البسطاء، وخصوصاً في الأرياف والأطراف، وأوغروا صدورهم ضد الدولة وكل من يمشي في ركابها أو يواليها. وأنا هنا أتحدث من قلب الشارع، منغمساً فيه، متفاعلاً مع كل أطيافه. ودليلنا ظواهر كثيرة تطفح على سطح المجتمع: قلق وتوتر وتحفز وتنمر وتعصب وفرز وقهر وتمييز، ودولة مستهدفة تقبع في مركز بؤرة تغلي وتحاصرها النيران من كل اتجاه.
أضف إلى ذلك الضغط الاقتصادي والضغط الأميركي والحرب في غزة، ومحاولات جهنمية لجر مصر وتوريطها بعد أن استسلم الجميع ورفعوا الرايات البيضاء. ومصر كذلك محاصرة بأضلاع مثلث جهنمي متساوي الأضلاع: إسرائيل وترامب والإخوان، والأخيرة هي الأخطر، فهي وسيلة الأول والثاني الناجحة والناجعة والمجربة. فقد سبق تجربتها في ليبيا والسودان وسوريا واليمن، ونجحوا مرحلياً في مصر، وكانوا على وشك الانقلاب على الملك في الأردن.
وما بين إرهاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأطماع إسرائيل وترصّد الإخوان، تقف مصر على حد نصل مسنون، وتبدو حتى الآن في المواجهة محتفظة باتزانها رغم الضيق الاقتصادي والتضخم الحاد والفساد المجتمعي.
إقرأ أيضاً: أعراق قلقة
إنَّ إسقاط مصر هدف استراتيجي مُعلن من الجميع، فهي شوكة في حلق مشروع الشرق الأوسط الجديد، ومشروع اتفاقيات إبراهام، ومشروع تفريغ غزة وتصفية فلسطين إلى الأبد. نعم، هي العائق الرئيس، بدون حنجوريات وكلام فارغ، فالجيش المصري المنظم والمحترف، وقاعدته الشعبية المؤازرة لأهدافه، هو العقبة الكؤود أمام الجميع.
لذا فإنَّ تفكيك المجتمع المصري هو الهدف الرئيس الآن، وإن كانت محاولات فتنة كثيرة جرت ولا زالت تجري لشقه، إلا أنه يبدو حتى الآن مقاوماً عصياً. إلا أنَّ استحداث طرق جديدة ومبتكرة وخبيثة مع تجييش لبسطاء سبق شحنهم وتهيئتهم لمثل هذه المحاولات قد يجر المجتمع لانفجار لا تُحمد عقباه، وهناك محاولات كثيرة كادت أن تؤتي ثمارها.
وقد رأينا في الفترة الأخيرة إحدى هذه المحاولات، فقد تم استغلال واقعة تحدث كل يوم تقريباً، وفي كل مكان تقريباً، وفي جميع الديانات والمذاهب تقريباً، إلا أنه تم استغلالها بخبث وحرفية شديدة لأنَّ المتهم مسيحي ومكان الواقعة كيان تعليمي مسيحي، واستغلوا الواقعة لمحاولة تفجير الدولة من الداخل، ولولا فطنة قاضٍ استشرف السيناريو المدمر، لوقعت الواقعة التي ينتظرونها، وهي تفجير المجتمع المصري بحرب أهلية تحرق الأخضر واليابس، ومن ثم يتفكك الجيش، فالجيوش لا تحارب عن أُمم منقسمة، لأن الجيوش هي مرآة المجتمعات. فقبل أن يتفكك الجيش السوري، تفكك المجتمع السوري أدياناً ومذاهب وأعراقاً، وكذلك ليبيا واليمن والسودان والعراق وكل المجتمعات التي تفككت وانهارت.
إقرأ أيضاً: أسماء الأشياء... الحصاد المر
ولذلك يحشد المتطرفون كل طاقاتهم، ويسخرون كل داعميهم لإشعال المجتمع المصري بالطائفية والإشاعات والتحريض، لينالوا جائزتهم: احتلال مصر وتصفيتها وتقطيع أوصالها لتلتحق بركب أشباه الدول المحيطة من الجهات الأربع: مخيمات وصراعات وقتال ودماء.
لكن الأمل كل الأمل في شباب هذه الأمة العريقة، ليهب منتفضاً ويقضي على كل هذه التيارات الخبيثة المختبئة خلف ستار الدين، ويزيلهم حتى تظل مصر العزيزة قوية قادرة وتنطلق نحو المستقبل.