: آخر تحديث

قطر.. عن حكايات "التفنيش" ومعاناة الصحافيين!

16
19
12

الوضع الحالي في الصحافة القطرية صار مثار جدل واسع، ويتطلب جهداً أكبر واهتماماً متزايداً لتنشيط الواقع الصحافي يبعد عنه شبح التوقف عن الاصدار الورقي نتيجة ندرة الإعلان ـ كما يدعون ـ الذي تراه يزيّن صفحاتها، وهذا ما صار يشكو منه أغلبية العاملين الصحافيين، ويقف بحذر من مصير مجهول، وما ستؤول إليه حالها بعد الانتهاء من عرس المونديال، لا سيما ـ وكما ذكرنا ـ مع انحسار الإعلان في الصحف، و"تفنيش" أعداد لا يستهان به من الصحافيين المتعاقدين على ضوء كوفيد 19 الذي كان له أثره المباشر ـ كما يؤكدون ـ على واقع الحال الذي وصلت إليه الصحافة وتعيشه حالياً، والدور الكبير الذي لعبته السوشيال ميديا التي تحاول أن تحل محلها، إلّا أنّ الصحافة الورقية ورائحة الورق، والكل يعلم، وأولهم زملاء المهنة، تظل هي القلب الملحّ في حياة الصحافي والقارئ الذي لا ينفكّ عن قراءة الصحيفة ومتابعة كل صغيرة وكبيرة فيها، وهي الأقرب إلى قلبه ووجدانه لأنها تتضمن صوراً تحثك على المتابعة وقراءة ما يطيب لك وبشغف، والقارئ لا تحلو له قراءة الصحيفة أو الانتقال من مادة إلى أخرى، ومن عمود إلى زاوية، إلى ريبورتاج أو تحقيق صحافي إلّا من خلالها وليس كما يُشاع اليوم، بالاعتماد على الموبايل، أو الأيباد، أو الكمبيوتر، وغير ذلك. الطعم يختلف والروح كذلك.

في الواقع، ما شاهدته بأمّ عيني أنّ الصحافة القطرية، وعلى الرغم من الهمّ الكبير الذي يشغل العاملين فيها في الوقت الحالي من محررين وفنيين، هو الخوف من "التفنيش"، وإلحاق الصحافيين العاملين حالياً، على الرغم من أعدادهم القليلة الغير قادرة على سد النقص الحاصل، والجهد الكبير الذي يبذلونه، وما يقومون به يتطلب توافر أعداد منهم لسد حجم الأعمال المطلوبة منهم تغطيتها، هذا الجهد يضعهم بين معترضتين، وهو الخوف من المجهول! "التفنيش" أولاً، والتهرّب من سنّ التقاعد الذي لا يمكن تجاوزه والذي وصل إلى حافته أغلب الزملاء العاملين في هذا المجال، وفي غيره.

الزملاء الصحافيين، وغيرهم أكدوا لي أنّه سبق أن أرسلوا زوجاتهم وأولادهم إلى بلادهم الأصلية قبل أكثر من عام ونصف تحسباً من جرس الإنذار المنتظر!. الخوف من الاستبعاد خارج الصحيفة، وهذا ما يجعلهم يضربون أخماساً في أسداس، مشتتين الفكر، ما اضطر الغالبية منهم إلى العمل على ترحيل أسرهم إلى حيث مسقط رأسهم خوفاً من استصدار قرار "التفنيش" المفاجئ الذي صار الجميع ينتظره ويحسب له ألف حساب!.

بالطبع هذا "التفنيش"، لا يشتمل فقط العاملين في وسائل الصحافة والإعلام، ولكنه يشتمل على كثير من قطاعات حكومية مختلفة، فضلاً عن أن كثيراً منهم التزم الصمت نتيجة تخفيض أجورهم، بالإضافة إلى حرمانهم كثيراً من الميزات الإضافية التي كانت تمنح لهم سنوياً، ومثالها: تذاكر السفر.

نقول أخيراً، ما هو سرّ هذا الخوف الذي يرهبهم وصار العاملون في الدولة يقفون عنده، ويحسبون له ألف حساب؟. دولة لها اسمها وسمعتها، وإمكاناتها المادية الضخمة تعجز كثيراً من دول العالم على اللحاق بها، على الرغم، وكما صرح علي بن أحمد الكواري وزير المالية القطري أنَّ فائض موازنة الدولة للعام المالي 2023 من المتوقع أن يبلغ 29 مليار ريال. هذا الفائض يمكن أن يستفاد منه في كثير من القطاعات، والنهوض في خدمة الكثير العمالة التي تحتضنهم الدوحة، واستمروا سنوات في خدمة الأعمال الموكلة لهم، ورغم هذا فإنهم يشغلون أنفسهم بما سيتعرضون له عقب الانتهاء من العرس العالمي الذي احتضنته، فلماذا يتعرضون إلى كل هذا الخوف من المجهول حيال الوظائف والأعمال التي يقومون بها؟!

سؤال ما زال محيّراً، ويبعث عن أفاقاً جديدة، أم أن ما نقله لنا الزملاء هناك كان مجرد أوهام لا أساس لها من الصحة، ويتنافى مع ما هو واقع، وإنَّ الدوحة ستظل قوية، وسنشاهد في مقبل الأيام أعمالاً قائمة توازي إن لم نقل أنها تفوق ما سبق أن شاهدناه في العين المجردة، في العرس المونديالي الذي تشرّفت الدوحة باحتضانه وأدهش العالم، وشاهده معنا كل من سبق أن رأت عينه قطر، والتطور المدهش الذي فاق كل ما هو متوقعاً.

برأيي الشخصي، أنَّ الدوحة ستكبر أكثر فأكثر، وأن ما نمّي إلينا وسمعناه هو مجرد تهيؤات، وقطر ستشهد في مقبل السنوات تطوراً مذهلاً في بنيتها التحتية. الأعمال ستكبر أكثر والبرنامج الزمني الحقيقي لتوسعة مترو الأنفاق، وشق الجسور، وإشادة الأبنية الحديثة الشاهقة ستستمر، بل إنها ستعاود النهوض من جديد، وبدعم أميري لا ينضب، وهذا هو المستقبل الحقيقي لـ قطر. 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي