الدراسات التي تناولت الديمقراطية التشاركية تعرفها بأنها: "نظام يمكن من مشاركة المواطنين في صنع القرارات السياسية ذات الاولويات بالنسبة إليهم عن طريق التفاعل المباشر مع السلطات القائمة والمشكلات المطروحة. كما تتفق الدراسات على ان الديمقراطية التشاركية تتبنى مفهوما جوهريا يأخذ بعين الاعتبار دور المواطنين في المشاركة في صنع القرار السياسي وتدبير الشأن العام، كما انها تتسم بالتفاعل بين المواطنين والحكومات أو المستشارين المحليين، وأنها مكملة للديمقراطية التمثيلية". والواقع أن النقاش حول الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية نقاش فلسفي قديم، حيث سبق للفيلسوف "جون لوك" أن ألمح إلى محدودية الديمقراطية التمثيلية عندما اعتبر أن لا أحد يمكنه أن يضفي الشرعية الديمقراطية على سلطة سياسية غير المواطنين أنفسهم. وأنه لا يكفي بالنسبة للمواطنين التعبير عن اختياراتهم، عبر التصويت لفائدة ممثلين، بل ينبغي أن تكون لديهم القدرة على مراقبة نشاط هؤلاء الممثلين. (المصدر: ويكيبيديا – الموسوعة الحرة).
البحوث والدراسات التي تناولت فكرة الديمقراطية التشاركية تشير إلى أن الفضل في بروزها يرجع إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة الستينيات من القرن الماضي، حيث أن مواجهة الفقر والتهميش كانتا من بين العناصر الأساسية في الكشف عن أهمية الديمقراطية التشاركية، فمن خلال أسلوب الحوار والتشاور مع المواطنين بشأن كيفية تدبير الشأن العام وصنع القرار الكفيل لمواجهة التحديات المطروحة محليا. أسفرت الحصيلة بأن خلق نخبة محلية من المواطنين العاديين كان لها القدرة والقوة لطرح الحلول الملائمة للمشاكل المطروحة ولمواجهة النخبة المهيمنة محليا والمتكونة من القوى الضاغطة والفاعلين في الحقل المحلي.
لقد برزت الديمقراطية التشاركية، ليس بهدف إلغاء الديمقراطية التمثيلية كليا، ولكن لتتجاوز قصورها وعجزها على التفاعل والتجاوب مع معطيات اجتماعية جديدة، تمثلت في ظهور حركات وتعبيرات اجتماعية عرفت اتساعا متزايدا في المجتمعات الغربية كالحركات النسائية والبيئية والحقوقية والاجتماعية والتنموية، كل هذه التكتلات لم تجد في الديمقراطية التمثيلية قنوات للتعبير عن حاجاتها ومطالبها وإيجاد حلول لها، ولا منفذا لموقع القرار السياسي لتداولها. تعتبر الديمقراطية التشاركية ديمقراطية فاعلة لحل المشاكل عن قرب، وضمان انخراط الجميع، وتطوير الشأنالمحلي والوطني عن طريق التكامل بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، وتنمية الإرادة السياسية لدى المنتخبين، وتوفير الأمن الاجتماعي، والتربية على ثقافة التوافق، والأخذ بعين الاعتبار حاجيات الجميع. وتتجدد الديمقراطية التشاركية بناء على المواطنة والمدنية والمنفعة العامة، وتوفير المعلومة والتدبير الشفاف والمساهمة في اتخاذ القرار، والانتقال من المحلي إلى الوطني.
جاءت الديمقراطية التشاركية بالأساس لتجاوز هدر الطاقات والفرص، وتجاوز النقائص التي تعتري الديمقراطية التمثيلية المبنية على العملية الانتخابية، وما يتصل بها من ترشح وتصويت وولوج إلى المجالس المنتخبة والتأثير في إطارها، وبخاصة أن الممارسة تبرز أن الديمقراطية التمثيلية حتى ولو مرت في ظروف من النزاهة والشفافية، لا تفرز- بالضرورة - الأجود من النخب والكفاءات، كما أن ما يعتري هذه العملية في بعض الدول أحيانا من عزوف تارة أو فساد تارة أخرى، يعمق المشكلة أكثر. تنحو الديمقراطية التشاركية إلى دعم المشاركة المدنية عبر التأثير في صناعة القرار العمومي، وتحقيق الشفافية، وتعزيز مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وترسيخ الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام.
وفي اوروبا الغربية، زادت الدعوات حول الديمقراطية التشاركية، ومن أبرزها دعوة مؤتمر للاتحاد الأوربي المنعقد بالعاصمة البلجيكية بتاريخ 8 و9 من مارس 2004م، حيت تم التأكيد على أن الديمقراطية الأوروبية التمثيلية في أزمة يتقاسمها الكل، وأن الديمقراطية التشاركية هي الحل للأزمة وقيمة مضافة لدول الاتحاد الأوربي، ويجب على الديمقراطية التشاركية ان تضخ دما جديدا لتكمل الديمقراطية التمثيلية وتنمية التعاون مع باقي الشركاء الاجتماعيين.
إن محاولة خلق هذه الحيوية في الحياة السياسية يندرج في إطار الطابع التطوري للديمقراطية، كما تحدث عن ذلك "جون ديوي، الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي، 1859-1952"، حين رأى أن الديمقراطية ليست عدالة مطلقة. بل اعتبر أن الكمال الديمقراطي هو ذلك المثل الأعلى والمنهج أو الأداة التي ستمكن العدالة من الانبعاث دون انقطاع، عبر سيرورة تصويب الاختلالات والقصور الذي قد يترتب عن العملية الديمقراطية التمثيلية. ولا يمكن أن يحدث هذا الانبعاث دون مشاركة واسعة ومتزايدة لعموم المواطنين والمجتمع المدني، باعتبارهم الأكثر ارتباطا بقضاياهم، والأكثر معرفة بها، والأجدر بوجود حلول ملائمة لها.
إن إنجاح هذا الشكل المتقدم من الديمقراطية التشاركية يتوقف على مدى وجود مجتمع مدني قوي وفاعل ومطلع على الأحوال العامة للمجتمع، ووجود مواطنين مدركين لمعنى الديمقراطية، وفي طليعتهم الطبقة المثقفة والمتعلمة والطبقة الوسطى عموما.