: آخر تحديث

«الإخوان» بين الانقسام الداخلي والتطرف الفكري

0
0
0

أحمد محمد الشحي

تتجدد اليوم فصول جديدة من حكاية تنظيم الإخوان، فصول سوداء من حكاية مظلمة طالما أضرت بالدول والمجتمعات، وهذه المرة تتجلى في ما يعانيه التنظيم من صراعات على النفوذ والسلطة وانقسامات داخلية وتفكك، في سابقة ليست الأولى من نوعها، بل تكررت في مراحل عدة منذ نشوء هذا التنظيم، ما يعكس طبيعته الهشة، وأيديولوجياته التي تقوم على التعطش للسلطة والتقاتل من أجلها، ولو بإحراق الأخضر واليابس.

إن المتابع لما يجري اليوم يلحظ تماماً أن هذا التنظيم وإن حاول أن يجمل نفسه ويرتدي الأقنعة الزائفة فإن الواقع يفضحه ويكشف وجهه القبيح، ومن مظاهر ذلك الانقسامات المتكررة والخلافات الحادة التي تعصف به، والتي وصلت إلى حد تبادل الطعون والتشكيك بالشرعية داخل جسده التنظيمي، وقد تزامن ذلك مع محاولة بعض فروعه إجراء انتخابات جديدة في بعض الدول، وذلك في محاولة فاشلة لإعادة ترتيب صفوفه الداخلية، لتعكس هذه العملية نفسها مدى هشاشته وعجزه المزمن عن إدارة خلافاته بعيداً عن الإقصاء والتشظي، وغرقه في مستنقع تنازع النفوذ والولاءات المتقاطعة التي لا يجمعها سوى غاية واحدة، الصراع من أجل السلطة والتمكين.

والمراقب لتاريخ هذا التنظيم وواقعه قديماً وحديثاً يجد أن هذا التنظيم لا يخلف أينما كان إلا الخراب والدمار والفوضى، وقد أثبتت التجارب أن وجود هذا التنظيم في أي مجتمع يقود إلى تفكك اجتماعي وتوتر سياسي واضطراب داخلي وانحراف عن بوصلة التنمية والازدهار والدخول في سراديب الصراعات والانقسامات، والصدام مع مؤسسات الدولة حين تتعارض السياسات الوطنية مع مصالح التنظيم، وكم عانت دول ومجتمعات من أضرار فادحة بسبب هذا التنظيم، سواء نتيجة صراعاته مع مؤسسات الدولة وصداماته مع المجتمع، أو نتيجة سوء الإدارة وممارسة الأخونة واختراق المؤسسات وتغليب مصالح التنظيم بعد وصوله للسلطة في بعض المجتمعات، والنتيجة ضرب أمن هذه الدولة والإضرار باقتصادها وإفساد علاقاتها بدول الجوار والأشقاء والأصدقاء.

وقد أثبت هؤلاء إلى جانب ما سبق أنهم أصحاب أجندات وأيديولوجيات إرهابية متطرفة، لا يتورعون عن القتل وسفك الدماء من أجل تحقيق غايتهم، وواقعهم النظري والعملي شاهد على ذلك، ليجمعوا بين الخلل في البنية التنظيمية والفكرية، فهم تنظيمياً مفككون منقسمون يتصارعون على السلطة والنفوذ، وهم فكرياً غارقون في مستنقع الأفكار المتطرفة التي تلقي بالشباب في أتون الصراعات المسلحة، وتنزع منهم ولاءهم لأوطانهم ومجتمعاتهم ليكونوا أسرى بيد هؤلاء، يغسلون دماغهم، ويستخدمونهم كأدوات لتحقيق مآربهم السلطوية.

إن القراءة الموضوعية لهذه الوقائع تبرز أهمية القرارات التي اتخذتها بعض الدول خلال السنوات الماضية بإدراج هذا التنظيم ضمن قوائم الإرهاب، فإن هذه الخطوات من الضرورة بمكان، وهي تعكس وعياً استراتيجياً بحقيقة المخاطر والتهديدات التي يشكلها تنظيم الإخوان على الأمن الوطني والنسيج المجتمعي، وقد أسهمت هذه القرارات في التصدي لهذا التيار المتطرف، وتجفيف مصادر دعمه، والحد من نشاطاته التخريبية، ومنع إعادة تدوير الخطاب المتطرف الذي يسوق له عبر المنابر الدينية والإعلامية المختلفة لتضليل الناس واستقطاب الأتباع.

وإن المصالح الوطنية اليوم تقتضي من سائر الدول أن تسلك هذا المسار، لحماية مجتمعها ومستقبل أجيالها، فإن إبقاء التنظيم خارج نطاق هذا التصنيف يمنحه مساحات للتوغل وممارسة الأنشطة العلنية والخفية لاختراق المجتمعات والإضرار بها، واستنزاف طاقات الدول في الصراعات السياسية والأيديولوجية.

وقد أثبتت دولة الإمارات أنها نموذج متقدم في هذا السياق، بعدما اتخذت مبكراً قراراً حاسماً بإدراج تنظيم الإخوان ضمن قوائم التنظيمات الإرهابية، هذا القرار الوطني الواعي الذي استند إلى قراءة عميقة لطبيعة التحديات التي يفرضها التنظيم الإخواني على الأمن الوطني، وإلى فهم واضح لخطورة ترك المجتمع والمؤسسات عرضة لأي محاولة اختراق حزبي، وقد أثمرت هذه الرؤية الاستراتيجية حماية المجتمع الإماراتي من محاولات نشر الفكر المتطرف الإخواني، وأغلقت الأبواب أمام هذا التنظيم وأشكاله، وقد عملت دولة الإمارات ضمن رؤية شاملة لوأد مثل هذه الأفكار والتنظيمات، وتعزيز نموذج الدولة الحصينة في أمنها واستقرارها، ليؤكد هذا النهج الساطع أن التحرك المبكر والإجراءات القانونية الصارمة أكثر نجاعة لبناء دولة مستقرة، قادرة على حماية مصالحها، والإسهام بكل فاعلية وتميز في منظومة التنمية المستدامة، التي تصب في إسعاد شعبها والمقيمين على أرضها، ويمتد خيرها للعالم أجمع.

إن ما يحتاجه المجتمع الدولي اليوم أن يكون على وعي أكبر بخطورة هذا التنظيم وأمثاله، وأن يتحلى بإرادة استراتيجية وقانونية صلبة تمنع تمدده، وتقطع الطريق أمام أي محاولة خبيثة لإعادة إنتاج ذاته تحت أي عباءة جديدة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد