: آخر تحديث

مصنع الأنوف والـ(...) قسم هندسة الجسد!

1
1
1

محمد ناصر العطوان

مقال اليوم عن صناعة التشابه، وكيف حوّلت عمليات التجميل النساء إلى نسخ مكررة؟!

فعندما تجد 10 سيدات في مول، دون أن تستطيع أن تفرق بينهن... ستعرف أننا في أزمة هويات!

تخيلوا معي... إذا دخلت أي مول في الخليج أو مركز تجاري في مصر... فلن تستطيع إن تفرق بين الوجوه! عيون واسعة، أنوف متطابقة، شفايف منفوخة... كأننا في مصنع لإنتاج «نسخة واحدة من المرأة»! كيف وصلنا لهذه المرحلة؟! وكيف تم توحيد النموذج الجمالي؟ وهل هي مؤامرة أم مصادفة؟ تعال معي عزيزي القارئ! لنجيب عن كل ذلك.

في البداية وبسبب العولمة تمت هيمنة معايير جمالية واحدة، وفي دراسة في مجلة الجمعية الأميركية لجراحي التجميل 68 % من المريضات يطلبن «الأنف نفسه» لمشاهير، كذلك وكما تعلم تأثير السوشيال ميديا مثل «إنستغرام» و»سناب شات»، حيث أوجدا «قالباً جمالياً موحداً».

والنتيجة كانت إقصاء التنوع الجمالي، فمثلاً بتنا نلاحظ اختفاء «الأنف العربي» و«الذقن المربعة» أحياناً بسبب عمليات جراحية أو تكنيكات باستخدام المكياج، وتحولت الخصائص العرقية لـ«عيب» يجب إصلاحه.

تخيل أنه في بعض دول الخليج 45 % من النساء بين 20-35 سنة خضعن لعملية تجميل واحدة على الأقل...

ليس هذا هو أغرب ما في الموضوع، فصمت بعض الفتاوى الدينية وتحولها من التحريم إلى التبرير جعلني أقف مبهوراً أيضاً.

فالفتاوى التاريخية كانت تُحرّم عمليات التجميل إلا للضرورة الطبية، ثم تحولت إلى «مسألة خلافية» و«الأمر فيه سعة»!

والسؤال الآن، لماذا تم غض النظر عن الأصوات الدينية التي مازالت ترى التحريم؟ حدثت عزيزي القارئ ضغوط اقتصادية، فسوق التجميل بقيمة 4.8 مليار دولار في الخليج فقط! كذلك تغيير الخطاب من تحويل النقاش من «الحلال والحرام» لـ«تحسين المظهر» وأهمية الجمال ومكافأة النفس... وهكذا، ففي دراسة من جامعة الأزهر 70 % من الفتاوى المتعلقة بالتجميل أصبحت «متساهلة» مقارنة بعشر سنوات مضت.

الأغرب هو التشوهات والإفلات من العقاب والجرائم التي بلا مجرمين، فتخيل أن هناك 120 حالة تشوه سنوياً من عمليات التجميل في الكويت حسب أرقام وزارة الصحة الكويتية، وحسب الهيئة السعودية للتخصصات الصحية 35 % من العيادات غير مرخصة بشكل كامل.

فلماذا لا توجد رقابة حقيقية؟

يبدو أن هناك ثغرات قانونية، فكثير من العمليات تُصنف كـ«خدمات تجميلية» وليس «طبية»...

واسمح لي عزيزي القارئ! أن أنقل لك قصة واقعية (من مجلة «الصحة والجمال») لسيدة دفعَت 8000 دينار كويتي لعملية شفط دهون... انتهت بإزالة 80 % من جلد بطنها!

ولا أدري كيف لا يرى الناس الكلفة الخفية والثمن الباهظ الذي تدفعه المرأة والمجتمع نتيجة هذا النوع من العمليات، فبعيداً عن اضطراب تشوه الجسد لـ40 % ممن يقومون بها، فهناك أيضاً الاكتئاب والقلق بعد العمليات الفاشلة والناجحة أيضاً... ناهيك عن التكلفة الاقتصادية وديون شخصية لتغطية عمليات تجميل... كذلك هناك الكلفة الاجتماعية التي تتمثل في تآكل التنوع الجمالي في المجتمع وتحول الجمال لـ«سلعة» وليس «هبة طبيعية»!

إننا بهذا السيناريو المرعب نتساءل عن ماذا لو استمر الوضع كما هو عليه؟

عام 2030 سيكون هناك متحف الصفات الجينية، لرؤية كيف كان يبدو البشر بشكلهم الطبيعي! وستظهر عيادات «استعادة الهوية» لعلاج التشوهات الناتجة عن عمليات سابقة... وربما نجد تأشيرات سفر: للدول التي مازال فيها أناس «طبيعيون».

أما عام 2040، فسيكون هناك انقراض للخصائص العرقية حيث لا وجود للأنف العربي أو العيون الآسيوية، وأزمة هوية جماعية حيث الجميع يبحث عن «أصله الجمالي».

في عام 2050، ستظهر المفاجأة الكبرى وهي سوق سوداء لصور «الوجوه الأصلية» وأمراض جينية بسبب تزاوج أناس خضعوا للعمليات نفسها.

ما الحل إذاً؟ وما المقترحات الواقعية؟

تشريعات صارمة لترخيص خاص لكل عملية تجميل وسجن الممارسين غير المرخصين، كذلك من المهم وجود وعي مجتمعي من خلال حملات «جمالك مختلف» في المدارس... ومنع الإعلانات المضللة للعمليات.

إن دعم التنوع الجمالي وإبراز نماذج جميلة بملامحها الطبيعية، ومقاطعة من يروج «للمقاس الواحد»، كل ذلك مهم أيضاً.

الرقابة الدينية وعودة الفتاوى الواضحة والملزمة ومقاطعة الممارسين الذين يخالفون الأحكام الشرعية لم تعد خياراً في ظل ما نراه من نتائج.

الجمال الحقيقي ليس في التشابه... بل في الاختلاف!

ورسالة أخيرة... اختلافك هو هويتك، وجمالك ليس سلعة، وجسدك ليس مشروع تجارب... وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر... وكل ما لا يُراد به وجه الله... يضمحل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد