خالد بن حمد المالك
حتى الآن لا تزال زيارة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء لأمريكا تتصدر المشهد السياسي والإعلامي، وتأخذ بُعدها الذي تستحقه، ويجد فيها المحلِّلون غايتهم، لربط الزيارة، وما حققته من نتائج بالتطورات في المنطقة والعالم، وبالعلاقات الثنائية بين المملكة وأمريكا.
* *
ولا باس أن نشارك الآخرين في رصد ما حققته الزيارة من نجاحات مبهرة، ومن استقبال استثنائي، ومن وصف غير معتاد لها، مقارنة بمن زار البيت الأبيض من قادة دول العالم، ومباحثاتهم مع الرئيس الأمريكي، حيث خُصَّ الأمير الشاب من الرئيس ترمب من الأوصاف والصفات بما لم يدانيه أحد من القادة الآخرين.
* *
في الزيارة، يتوقف المتابع عند الفخامة التي استقبل بها سمو الأمير، وفي تقرير عنها أشار التقرير إلى أن الرئيس دونالد ترمب تحدّث بلغة الجسد قبل أن ينطق بالترحيب، ليفتح ذراعيه، ويصافح ولي العهد، وقبل أن تطأ قدماه السجادة الحمراء، فلغة الجسد -بحسب التقرير- كانت حاضرة وأبلغ من الكلام، وحين تجمع اللقاءات محمد وترمب، فإن الحركات، والنظرات، والابتسامات تترجم عن قوة العلاقات، وحفاوة الترحيب.
* *
في الزيارة، قال الأمير بأنه لا يخلق فرصاً مزيَّفة للاستثمار، وإنما فرص حقيقية للاستثمار، فأمريكا لديها اقتصاد قوي، ومن المهم أن تتجه المملكة للاستثمار معها، وهذا ما كشفت عنه الملفات التي حملها سمو الأمير في زيارته التاريخية، وحين قال ولي العهد إن ترمب رئيس من نوع آخر، قال عنه الرئيس الأمريكي إن محمد بن سلمان رجل رائع، ومبهر، وحليف حقيقي، ولدى أمريكا تحالف عظيم وإستراتيجي مع السعودية.
* *
حنكة الأمير، والثقة به، وصدقه، حقق ما عجز عنه قادة دول أخرى، فها هو الرئيس الأمريكي يُعلن عن موافقته على بيع طائرات F-35 ، ويزوِّد المملكة بأفضل الأسلحة والمعدات الدفاعية في العالم، إلى جانب توقيع اتفاقية الدفاع الإستراتيجي، واستثمارات في المعادن، والطاقة النووية، والذكاء الاصطناعي، ضمن عدة اتفاقيات، ومذكرات تفاهم.
* *
ومثلما نجح الأمير في تغيير وتحسين صورة سوريا لدى الرئيس الأمريكي، وأقنعه برفع العقوبات عن رئيسها وقادتها، وقيام الشرع بزيارة للبيت الأبيض، ها هو الرئيس ترمب في هذه الزيارة يحقق أيضاً رغبة الأمير بأن تتدخل أمريكا لنزع فتيل الحرب في السودان، بينما قفز التعاون الأمريكي مع المملكة لتكون حليفاً إستراتيجياً من خارج الناتو، ما يعمِّق العلاقات بين البلدين، ويؤسس لمرحلة تاريخية جديدة بعد أكثر من تسعين عاماً من العلاقات المتميزة.
* *
في منتدى الاستثمار الأمريكي السعودي خاطب الرئيس الأمريكي الحضور، مجدداً رأيه بالأمير محمد بن سلمان، واصفاً إياه بأنه صديقه، وأنه رجل عظيم، وأن المملكة حليف رسمي خارج الناتو، وأن هذا يحدث نادراً، وأنه والأمير يسعيان معاً ليجعلا التحالف بين بلدينا أكثر قوة مما كان عليه في الماضي.
* *
فيما خاطب سمو ولي العهد المنتدى بالقول: إن شراكتنا تعتمد على النمو والتنوّع الاقتصادي، وكذلك الابتكار، وأفصح عن توقيع وثيقة الشراكة الإستراتيجية بين الرياض وواشنطن، واتفاقيات أخرى شملت مشروعات جديدة تضمنت قطاعات الدفاع، والطاقة، والذكاء الاصطناعي، والمعادن النادرة، والقطاع المالي وغيرها.
* *
وبينما أعلنت الرياض أثناء زيارة الرئيس الأمريكي للمملكة في مايو 2025 عن توقيع اتفاقيات بـ307 مليارات دولار، فقد تم الاتفاق على صفقات جديدة بـ267 مليار دولار خلال زيارة ولي العهد لأمريكا في 18 نوفمبر 2025، ليبلغ إجمالي ما تم الاتفاق عليه 575 مليار دولار، وهو بهذا الحجم الكبير من الاستثمارات يؤكد على عمق العلاقات الموثوقة بين البلدين.
* *
في النسخة الثانية من منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي الذي عُقدت في العاصمة الأمريكية تحت شعار (القيادة من أجل النمو، تعزيز الشراكة الاقتصادية السعودية) كان حضور الشركات ورجال المال والأعمال كبيراً، والنتائج مبهرة، وزاد من أهمية المنتدى تشريف ولي العهد والرئيس الأمريكي، وإلقاء كل منهما كلمة في المنتدى، وتُمثِّل الاتفاقيات التي تم إبرامها، مجموعة من الصفقات المتطورة في مجالات الطاقة، الذكاء الاصطناعي، الدفاع، القضاء، التمويل، الترفيه، التعليم، البنية التحتية، والرعاية الصحية.
* *
باختصار، فهذه زيارة تاريخية، كما هو إجماع العالم في وصفها وفي حديثه عنها، كيف لا والصفقات هي الأكبر، والأكثر تنوّعاً، إلى جانب الاستقبال المبهر لسمو الأمير الذي كان استثنائياً، ومواكبة الزيارة إعلامياً في أمريكا والعالم بزخم إعلامي كبير، بما يليق بمكانة ضيف أمريكا، وقيمة المملكة، ونتائج الزيارة.

