: آخر تحديث

استعادة لراسل... عن أفكار الحرب والسلام

2
1
2

لم يعدِ الحديثُ عن السلام ترفاً بل باتَ ضرورةً واقعيةً؛ إنَّه شرط للاستقرار ولتحقيق الكمال الدنيوي والسياسي.

في كل القمم العالمية، بخاصةٍ في هذه الظروف، يأتي مفهوم السلام العتيد والإشكالي معاً على رأس عناصر الطرح وضمن أولويات البحث والنقاش. لقد أبرمت «حماس» اتفاقها مع إسرائيل، وعلى الطريق نفسها تسير دول مثل سوريا ولبنان.

تلك الخطوات حيويّة ويجب أن تكون مربوطة بمسارٍ سياسي واضح. المرحلة لم تعد تحتمل إبقاء نيران الصراع في الإقليم مشتعلة بسبب التيارات والقوى الآيديولوجية أو القيادات المستفيدة من استمرار الأزمات حيث تتغذى عليها مادياً وسياسياً وشعبوياً.

ثمة مناخ حيوي يتشكّل يجب الاستفادة منه، والجوّ الاجتماعي العربي والإسلامي اليوم منسجم مع إنهاء كل هذا الصراع الذي أنهك الناس ودمّر البنى والمؤسسات وأرهق الشعوب. حتى داخل مجاميع «حزب الله» هناك مللٌ وانزعاجٌ وتذمّرٌ من تكرار الحروب العبثية إنهم يفضّلون التفاوض والحوار والبدء في حياة مستقرّة على كل تلك المغامرات التي بان فشلها المطلق، نعم هناك تغيّر بمزاج بيئاتهم المنكوبة. ببساطة؛ إنهم يريدون التنمية والإقبال على الحياة ضمن حكم رشيد وإدارات فعّالة على كل المستويات، وكل هذا لا يأتي إلا بالتفاوض فهو الطريق نحو السلام.

بقيت نظرية السلام في الدرْس التحليلي متأرجحة منذ الحروب العالمية، ما بين نظرية مثالية طرحها إيمانويل كانط، وأخرى واقعية طرحها الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل الذي كانت له أنشطة سياسية هدفها التأسيس لنمطٍ من السلام المنطقي ضمن اتفاقاتٍ مقنعة، وهو أنشأ «مؤسسة برتراند راسل للسلام»، ومن خلالها حاول إيقاف تمدد القنبلة الذريّة وقد تواصل مع الملك فيصل بن عبد العزيز في رسائل موثّقة طالباً مباركة هذا المشروع السلمي وقد كان.

وفي بحثٍ للدكتورة آمال علاوشيش بعنوان «برتراند راسل... فيلسوف السلم»، وقد نشر في كتاب «الفلسفة السياسية المعاصرة - قضايا وإشكالات»، استطردت في شرح نظريته، حيث ترى أن «السّلم عند راسل يكتسي بعداً عامّاً وخاصّاً لأنّه يفترض أن يبدأ من الذّات ليشمل الآخر بعد ذلك، أي أنّه يتحقّق على المستوى الفردي عندما يكون قناعةً تنشأ في النّفس بفعل التّربية ليتّسع مجاله تدريجياً حتّى يشمل المجتمع بعديد مؤسّساته على اختلاف مستوياتها، بما في ذلك ميدان العلم والبيولوجيا وكذلك البيئة، وذلك على اعتبار أنّ العوامل الّتي تهدّد السّلم بتوصيفه مطلباً إلحاحياً كثيرة ومتشعّبة».

لكن لماذا اهتمّ راسل بالسلام وبشكلٍ حثيث؟!

تسبيبها أن ذلك يعود إلى «ما تعانيه المجتمعات المعاصرة من تقدّمٍ تكنولوجيّ مذهل تزامن مع تدهورٍ وتراجعٍ للأمن والسّلم لا مثيل لهما، حينها أصبح تجديد السّؤال حول قضية الحرب والسّلم أمراً ملحاً بل وضرورة قصوى نظراً للتّهديد الّذي بات يتعرّض له الإنسان باعتباره فرداً من جهة، وبتوصيفه أساساً للمجتمع الإنسانيّ من جهةٍ أخرى، استوحى من واقع أوروبا والعالم الغربيّ الاشتراكي والرأسمالي على حدّ سواء مادّةً لفلسفةٍ اجتماعيةٍ وسياسيةٍ قامت على نقدٍ موضوعيّ بناءٍ وهادفٍ، فالحرب التي أضحت مجلبةً للخراب والدّمار وشبحاً إنما يهدّد جحيمها البشرية جمعاء بفناءٍ وزوالٍ لا مفرّ من حدوثهما، طالما لم تتوفّر إرادة فعليّة وعملية تأخذ على عاتقها مهمّة التّعجيل بمشروع إنقاذ».

باختصار، راسل يرى أن «الحديث عن السّلام بحاجةٍ إلى وقفات تدبّرٍ وتفكّرٍ، وإذا كان الرّادع الأمثل ضد النّزاعات والصّراعات بين الدّول والتكتّلات هو السّلام العادل بينها، فإنّ الرّادع الأمثل ضد الخوف الفرديّ والجماعيّ وضد القلق والاضطراب والزّعزعة وعدم الاستقرار داخل كلّ دولةٍ هو السّلام».

الخلاصة؛ إن نظرية راسل معتمدة على السلام المنطقي وهذا يمكن تحقيقه في إقليمنا، أما السلام المثالي الأبدي بين البشر الذي طرحه كانط فهو مستحيل. سوف يستمر البشر في تجريب الحروب فيما بينهم. إن الصراعات محرّكةٌ للتاريخ وصانعةٌ للتكوين الاجتماعي البشري، ولكن يجب أن تبقى محدودة ضمن طفرات تاريخية طارئة. الفكرة أن يكون السلام هو الأساس والحروب مؤقتة وعابرة.

نعم يمكن للسلام أن يصنع وقائع جديدة، وأن يتمخّض عنه انتظام اجتماعي خلّاق، إنه المخرج الوحيد من الصراعات التي عاشها الإقليم. إن التفاوض هو العنوان الأساسي لإنهاء أي حرب. وعلى الدول التي توشك على الانهيار أو انهارت أن تستفيد من الدرس القاسي الذي عاشتْه المجتمعات العربية منذ عقود.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد