: آخر تحديث

التخلف.. طبائع اجتماعية سيئة

1
1
1

حسن اليمني

ليس لنا كبشر يد في تشكل وتطبع بعض سلوكياتنا وأخلاقنا في تعاملاتنا البينية وحتى مع أنفسنا وأهلنا، حتى وإن أدركنا سوءها وخطأها، نحاول جاهدين أن نصححها مع أبنائنا، لكن لا نستطيع أن نصححها مع محيطنا وما حولنا لأنها ستعتبر شذ عن القاعدة.

عوامل وظروف كثيرة تتداخل مع بعضها وتتفاعل بشكل كيميائي لتفرز لنا مزيج سلوك وأخلاق تخالف القيم والمثل التي نؤمن بها ونعتز ونجتهد في حفظها وحمايتها، لكننا دون رغبة نضطر ونحتاج إلى فرص الفوز والنجاح عبرها متى تعسرت بنا السبل للوصول الآمن والسليم، نحن لا نقبلها ولا نرضى بوجودها لكنها موجودة فعلا غير أنها دخلت في عمق طباعنا وسلوكنا فبدت لنا طبيعية. ما نرفضه حقا وبقوة هو التعريف والتأصيل الذي لا نجد وسائل دفاع تنفيه وتخرجه من طبيعة وجوده في السلوك والأخلاق، وهنا نلجأ إلى القيمة الجمعية لنحشد الكل ضد هذا التعريف والتأصيل لنحول الإشارة والتنبيه لحقيقة الفعل الأخلاقي تطاول وتجرؤ فردي على الأعراف والتقاليد المجتمعية، وهذا للأسف يعزز ويقوي طبيعة الكذب والنفاق في الأخلاق والسلوك الاجتماعي ويصعب معالجته، ستشعر وأنت تقرأ هذه السطور بالانفعال والملل نتيجة الغضب الصامت في داخلك وستبدأ في استنفار قوى الدفاع وبناء التحالفات مع الآخرين لمواجهة ما ترى أنه اعتداء سافر على سجية الطباع الأخلاقية الاجتماعية وستجد المتراكضين للدعم والإسناد للردع بأقوى صيغ التبرير والتفسير.

الكذب جسر يوصل إلى النفاق الذي يتحول هو الآخر جسر للخيانة، هذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان ولا أحد يتقبلها، فماذا لو كانت موجودة بيننا وبشكل عام بل وصارت طبيعة في الأخلاق والسلوك؟

الرفض والمبادرة للدفاع أمر طبيعي وقد يصل الأمر إلى الاتهام وحتى المحاسبة والعقاب، تماما كما فعل اليونانيون القدماء مع سقراط، والآن هل تعرفون لماذا قتل اليونانيون المفكر والفيلسوف سقراط؟

اتهم بأنه يسعى لهدم طبائع التخلف الاجتماعية من خلال تخريب عقول الشباب بدعوتهم للتفكير والنقد بما يهدد القيم والتقاليد الاجتماعية، كل مجتمع يرى أنه مثالي القيم والتقاليد، وحين يكون الكذب والنفاق والخيانة ثقافة أخلاقية بحكم التطبع يلزم حمايتها والدفاع عنها.

ماذا عني وعنك، ألا ترى أننا أيضا نمارس الكذب والنفاق والخيانة؟

سأجيبك عن نفسي أولا، بصراحة أنا لا أستطيع أن أفصح وأعبر عن رأيي فيما يختلف أو يتضاد مع الرأي الجمعي مع من حولي؛ لأنه سيقابل بالتسفيه والسخرية وربما النصيحة بمراجعة الطب النفسي، وسيجتهد آخرون لتفسير رأيي بأنه صنيعة انسياق لثقافة أجنبية أو بأقل الأحوال انقياد غبي لحاسدين وناقمين على المجتمع، وهذا ليس بجديد أو غريب بل هو تاريخ أصيل في مواجهة العقل بما تجاوز ما اعتاد ووعى وفهم، وآخرون سيرون أنه من باب المباهاة والغرور وهم في هذا محقون فلست إلا واحدا منهم ينطبق عليَّ ما ينطبق عليهم لكني ضجرت بهذا العبء وفتحت فمي أظهر عيبي، فمن المغتر والمباهي فعلا؟ هل هو المقر بعيبه أم المكابر بحمقه؟

بكل أسف، نحن نمارس الكذب والنفاق بشكل يكاد يكون مقنن ومتطبع في النفوس، وألوان وأشكال هذا الكذب والنفاق أكثر من أن تحصى، وكيف تحصى وقد أصبحت طباعا أصيلة على مساحة المجتمعات ككل، ولكن اتباع لقاعدة التجهيل «ما كل ما يعرف يقال» حري بنا التعرف على ماهية النفاق الاجتماعي.

تعريف النفاق الاجتماعي:

1 - التناقض بين القول والفعل.

2 - الادعاء والتمثل الكاذب بغير الحقيقة.

3 - الإيمان بأن الغاية تبرر الوسيلة.

وإن بحثنا مظاهر هذه الآفة فهي تظهر أكثر ما تظهر في التمثل بالخصال أو الأعمال الجيدة لتفخيم المظهر والحضور أو الوصول للثناء والتقدير والرضا دون إنجاز أو فعل حقيقي، كذلك يظهر في الكذب والمداراة بغير الحقيقة لكسب الرضا أو القبول أو ربما اضطرار لدرء النقد والتعييب، وبالطبع الخيانة لصالح النفس على حساب الأخلاق، أما لماذا تظهر مثل هذه النماذج وتتسع وتنتشر فإن مرد ذلك ليس من طبيعة الإنسان لكنه نتيجة ظروف سياسية واجتماعية تغلق المنافذ الطبيعية والمستقيمة فيصبح الاضطرار للوصول للغايات والحاجات يمر عبر الطرق الملتوية والمخارج المبطنة والمظاهر المركبة أي بتركيبة ازدواجية في القيم والأخلاق تظهر بعكس ما تبطن، وأكثر ما تكون قوية في الأثر والتأثير حين تصدر من عَلَمْ في الدين أو السياسة ثم الفكر والثقافة، ومن غرائب الأمور أن الإنسان بطبعه وسجيته وخلقه الفطري أمام واقع يشعره بالنقص وينتقص فعليا قدر استحقاقه، في حين يجيد الناقص فعلا تلبس هذا الزيف والمخرج - بالكذب والنفاق - ويصل غاياته وأهدافه بغير ما يبطن حقيقة وإلى درجة إشباع نقصه في السلامة الأخلاقية، ويصبح هو المثل للجودة والنجاح على حساب الإيمان والصدق والإخلاص في دائرة المجتمع كلما كبرت مساحة هذا الاتجاه.

أخيراً لابد أن نعي ونستوعب أن أحد أهم أبجديات التحضر والرقي يكمن في التحرر من تبعية النفاق والتجمل الكاذب باعتبار ذلك من مظاهر الخيانة للذات أولا ثم للمجتمع والوطن والأمة، وندرك أن من أصعب الأمور وأعصاها في العلاج تطبيب التطبع وإصلاحه، فالأمر أكبر من قدرة الفرد أو حتى الجمع فسبل الكذب والنفاق والدجل أكبر وأقوى وأوسع من حصرها، لكنها برغم سوئها تبقى ونحن في خضمها مرفوضة في قاع الوجدان منفرة لأصالة الفرد ونقاء طبيعة إرثه وتاريخه ومعتقده، ولابد من القول إنها وهي حالة معيبة إلا أنها أيضا مرحلة طبيعية من بين أعراض وإرهاص مراحل تطور المجتمعات وترقيتها تظهر لفترة وتنمو وتتسع حتى تصل مرحلة الخروج من التخلف إلى التحضر حين يستكشف المجتمع حضورها ويبدأ في نبذها ومحاربتها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد