محمد سليمان العنقري
بدأ الحديث عن توجه واسع النطاق في المملكة نحو بناء مراكز بيانات فائقة الحجم منذ سنوات خصوصاً التي أعقبت اعتماد رؤية 2030 في عام 2016 وتم خلال هذه الفترة التأسيس لهذا التحول الهائل نحو رقمنة الاقتصاد سواء بالتشريعات أو تأسيس الأجهزة الحكومية التنظيمية والإشرافية وكذلك الشركات التي ستتولى الاستثمار بهذا المجال الحيوي للعالم والذي بات يعرف بالنفط الجديد لكنه سلعة غير ناضبة وقد تم إطلاق عدة مشاريع لمراكز بيانات خلال زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى أمريكا قبل أيام وذلك بالشراكة ما بين شركة هيوماين السعودية التي يملكها صندوق الاستثمارات العامة مع كبرى الشركات العالمية الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي مثل انفيديا وشركة (xAI) وكذلك سيسكو سيستمز وAMD.
وبدايةً فإن مراكز البيانات تعرف بأنها «منشآت مادية تحتوي على أجهزة الكمبيوتر ومعدات الشبكات وأنظمة التخزين الضرورية لتشغيل وتخزين ومشاركة البيانات والتطبيقات الرقمية لأي مؤسسة. وتتضمن بنية تحتية متكاملة من المكونات الأساسية مثل الخوادم وأجهزة التوجيه، بالإضافة إلى أنظمة أمنية وأنظمة طاقة احتياطية ومولدات كهربائية لضمان استمرارية العمل» وفي عالم اليوم الذي تتسارع فيه التحولات نحو الرقمنة واستخدامات الذكاء الاصطناعي لقطاعات الأعمال مع تزايد حجم التجارة عالمياً خصوصا الإلكترونية إضافة للاحتياجات الأخرى للشركات لاستخدامات الحوسبة السحابية والبحث عن التعامل مع مراكز بيانات تحقق سرعة استجابة كبرى لعملياتها إضافة للأعمال الحكومية فإن السباق نحو الحصول على مكانة متقدمة وحصة سوقية عالمية بمجال مراكز البيانات أصبح هو مسرح التنافسية الدولية لكن ليست كل الدول قادرة على التنافس في بناء مراكز البيانات المتقدمة.
فهي تتطلب توليد طاقة كهربائية هائلة إضافة للموقع الجغرافي والوفرة المالية والقدرة على شراء أشباه موصلات فائقة القدرة والذكاء والتي تتميز بإنتاجها الشركات الأمريكية فقط حيث وصلت للجيلين الخامس والسادس بينما لم يصل أكبر منافسيها إلا لأجيال اقل من ذلك إضافة للأجهزة والخوادم التي تتميز بها الشركات الأمريكية أيضاً لكن ما الذي يجعل المملكة تتفوق على غيرها في استقطاب الاستثمارات لبناء مراكز البيانات ، فيعد توفر طاقة رخيصة أهم عامل إذ يقدر سعر الكيلوواط ساعة بحوالي 5 سنتات بينما تبلغ الأسعار في أوروبا بين 10 إلى 15 سنتاً وهو ما يضعف تنافسيتها أما في أمريكا فتصل إلى 8 سنتات والعامل الآخر الموقع الجغرافي فالمملكة قريبة من مناطق جغرافية لا تبعد عنها أكثر من أربع ساعات طيران في أوروبا وإفريقيا وآسيا بما فيها الهند ودول الشرق الأوسط عموما أي ستخدم مراكز البيانات فيها حوالي 4 مليارات إنسان أي نصف سكان العالم يضاف لذلك الوفرة المالية إذ تخصص المملكة عشرات مليارات الدولارات لبناء منظومة متكاملة للذكاء الاصطناعي ومراكز الييانات.
كما أن تأهيل القوى البشرية الوطنية بدأ منذ سنوات عبر برامج الابتعاث لأهم الجامعات العالمية المتفوقة بالمجالات الهندسية والعلمية ذات العلاقة بالذكاء الاصطناعي والحوسبة عموماً وكذلك الاتجاه نحو توطين التقنية وبيعها وليس استهلاكها فقط إضافة لسرعة إصدار التراخيص والبدء بالإنشاء بوقت قصير بعكس التعقيدات التي توجد بدول أوروبا وغيرها ويأخذ بعضها عاما أو اثنين لإنهاء الإجراءات المتعلقة بالتراخيص فالعالم اليوم يتوسع بأعماله بشكل كبير جداً ولا يحتمل أن يكون هناك تأخير في سعة مراكز البيانات التي تمر عبرها أغلب الأعمال اليوم ولذلك أصبحت ركيزة أساسية في حسابات تكاليف قطاع الأعمال وكذلك العمليات الحكومية للدول.
السعودية أصبحت من الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي وهي أول دولة أصدرت نظاماً لأخلاقيات استخداماته إضافة لكونه قطاعا سيعد رافدا اقتصاديا مهما وكبيرا جدا بالناتج الإجمالي ويولد فرص عمل نوعية إضافة لتعزيز مكانة المملكة بالاقتصاد العالمي فحجم مراكز البيانات التي تنوي الوصول لها ستحتاج لطاقة تصل إلى 6,6 جيجاوات أي ما يكفي لإنارة ست مدن وهو ما يجعل اقتصاد المملكة تنافسيا في مجال مراكز البيانات ويضعها بالمركز الثالث عالمياً بعد أمريكا والصين.

