يعود سبب قلق الكثيرين لقناعتهم بأن «حكوماتنا» لم تهتم، بما يكفي، لوضع برامج اقتصادية، واضحة الأهداف، بل كانت تميل في الغالب لوضع برامج طموحة، والحرص على عدم التقيُّد بها. ويرى هؤلاء أن للاعتقاد بأن احتياطي الأجيال القادمة كفيل بعلاج الأزمات عند اللزوم، دوراً وراء التراخي وعدم الاكتراث الرسمي. علماً بأن الفوائض المالية وما نتج عنها من أخطاء ومبالغة في التعيين الحكومي، والرعاية، والدعوم، ساهمت في خلق الأزمة وإخفائها بين بيانات غير دقيقة تجعل من الصعب معرفة الكلفة الحقيقية لأي منتج حكومي، من رغيف الخبز إلى برميل النفط، بخلاف المبالغة في التعيين في الوظائف الحكومية.
وبالتالي فإن الأزمة التي نعيشها، كما يرى نجيب الصالح، لا ينفع معها تغيير برامج التعليم، ولا استعارة برامج «إصلاح اقتصادي»، سبق أن نجحت في دول أخرى. لأن المشكلة، كما يعتقد، ولا نتفق معه هنا بالضرورة، تكمن في طبيعة «أهل البلد»، الذين أدمنوا العمل في وظيفة لن تفتقدهم إن غابوا، وتستمر في إعطائهم كامل المزايا، علماً بأن أغلبهم ينهون دراساتهم كحملة شهادات، وليس بالضرورة كمتعلمين. لذا نجدهم يدعون إلى تكويت المراكز القيادية دون اعتبار للخبرة والكفاءة، والاستمرار في التعيين حتى بعد أن تجاوزت أرقام البطالة المقنعة في الجهاز الحكومي نسبة مخيفة، وهي كلها أمور معرقلة لخطط الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي.
لا أدري حقيقة كيف يمكن تبرير تحميل الشعب جريرة ما يحدث، فما ذنب المواطن ان لم «تفتقده وظيفته»، إن غاب عنها، أو تلقيه لراتب، وهو مهندس، يعمل في مواقف مكشوفة، يعادل ما يتلقاه إمام المسجد، مثلاً، الذي لا يعمل لأكثر من ساعة أو ساعتين في اليوم، أو حتى مقارنة من يقبض راتباً دون أن يعمل، فهذا الإهمال والتفاوت وغياب الرقابة، ومساواة الخريجين بعضهم ببعض، بصرف النظر عن تخصصاتهم، فهذه ليست مسؤولية الأفراد، بل الإدارة الحكومية التي ساوت بينهم، وضمنت لكل خريج «درجة وظيفية»، مساوية لغيره.
من جانب آخر، أتفق تماماً مع ما ذكره الأخ الصالح بضرورة الاستعداد لكي لا نفاجأ بانهيار اسعار البترول، موردنا الوحيد، مستقبلاً، وعلينا الاستعداد للأمر من خلال تهيئة المواطنين والمقيمين للتعامل مع هذا التوقع. وهذا يتطلب اتخاذ قرارات «غير شعبوية»، تفرِّق بين الموظف الذي تحتاجه الدولة، وبين الغالبية الذين يشكلون البطالة المقنعة في الجهاز الحكومي، وضرورة تطوير برامج تشجع الموظف النشط ودعمه ومحاسبته إن أهمل، وعلاج حالة البطالة المقنعة لإعادة تأهيلها بتحريرها من الكادر الوظيفي الحكومي، واستمرار تلقيه راتباً مقطوعاً، مساهمةً في الرفاهية الاجتماعية، ليجد لنفسه نشاطاً في الأعمال الحرة، وإعطاء الحوافز لهؤلاء ليصبحوا قوة عاملة مؤهلة ومنتجة خارج الجهاز الحكومي، لدعم تكويت مئات الأنشطة الأخرى، وليس فقط «التكويت الوظيفي»!
الخلاصة: نواجه، بوعي أو بغيره، أزمة اقتصادية واجتماعية، يصعب التغلب عليها، إن طال أمد الاعتراف بها. والبداية تكمن في قيام وزارة المالية بتوضيح حقيقة وضعنا المالي، لكي يتسنى لها كسبه لجانبها، وتغيير سلوكه، وجعله أكثر إحساسا بمسؤوليته، بعد القضاء على كل جوانب الهدر غير المبررة. فلكي تستمر الكويت ويستمر الرخاء ونضمن مستقبل الأبناء والأحفاد، علينا التوقف عن هدر فرص الإصلاح، واللحاق بالعالم، قبل فوات الأوان، فجني مليار دينار عملية صعبة جداً، وصرفها عملية سهلة جداً.
أحمد الصراف

