لسنا بحاجة إلى منجمين لكي ندرك أن خوف الرئيس دونالد ترمب ليس من الرئيس شي جينبينغ، بل من أحفاده وعلى أحفاده. بل ربما من أبنائه وعلى أبنائه أيضاً، أي الجيل الصيني المقبل والجيل الأميركي المقبل، ومعه أجيال أوروبا وسائر الجنس الأبيض.
جرب أن تقرأ لمدة أسبوع جريدة الصين، التي تصدرها بكين بالإنجليزية حول العالم، أو جريدة «ذي ستريتس تايمس» في سنغافورة، أو نظيرتها في ماليزيا، إلى صحف «العرق الأصفر»، كما كانت تسميه الكتب المدرسية. آسيا تنبعث، آسيا تزدهر، آسيا تدهش. وفي صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية خبر يقول إن اختصاصياً شاباً تقدَّم بـ600 طلب وظيفة بلا جدوى فسافر إلى أستراليا، جارة الصين، وعثر على عمل في يوم واحد. وإذا أكملت رحلتك الصباحية في الصحف فسوف تجد أن فرنسا عاجزة عن تشكيل حكومة، وأن الولايات المتحدة أرغمت على خفض المساعدات الغذائية لنحو 42 مليون نسمة.
من دون أي ثروة طبيعية تُذكر، يتمتع السنغافوري بأعلى دخل فردي في العالم. اعذرني إن قلت لك إن الأعجوبة الآسيوية خلفها أفراد، أولهم وأعظمهم لي كوان يو في سنغافورة، دنغ بنغ في الصين (تلميذ كوان ومقلِّده)/ ومهاتير محمد في ماليزيا. وهل نسيت اليابان الأعجوبة الآسيوية الأولى، أم أنك تريدنا أن نعرج على الهند، حيث يقدسون البقر ونهر الغانج بسبب خيرات الاثنين.
يخاف الرئيس ترمب مع صدور كل بيان جديد عن معدلات النمو في العالم، يهدد ويتوعد ويشعل حرب الرسوم ومعارك الجمارك، ثم يُبلغه مساعدوه بأن الصين هي الرابح. وعندما نتحدث عن بلاد كونفوشيوس فإننا نعني 1.4 مليار إنسان.
الكوكب ينقلب، وذات يوم قد يصبح العداد والمقاييس في هذا الجانب. إلى متى سوف تستطيع الولايات المتحدة تأمين الغذاء لـ42 مليون نفس. الرقم دليل قوة وضعف في وقت واحد. دولة تستطيع إطعام 42 مليون بشري كل يوم.
ما لم تحدث في الغرب «ثورة صناعية» أخرى، فسوف يعود العالم إلى الأزمان القديمة ويرسل القوافل إلى الصين ويبحث عن الثروات في الهند، على ظهور الأفيال، لكنه لن يعثر هناك على وليم شكسبير أو فيكتور هيغو، وسوف تظل هوليوود في مكانها مهما رقصت بوليوود وغنّت. وسوف نوقف الحديث عن آسيا الصغرى وآسيا الكبرى. قارة واحدة يعبرها الإسكندر الكبير في طائرات أسرع من الصوت «وتحسب أنك جرم صغير/وفيك انطوى العالم الأكبر» قال الإمام علي.

