: آخر تحديث

«المعرفة»... نفط الكويت الحديث!

2
2
2

محمد ناصر العطوان

منذ فترة ليست بالقصيرة، وربما لعشرات السنين، كان النفط هو البطل الوحيد في المسرحية، تخيل معي عزيزي القارئ... منذ كان أبي حفظه الله يدخل مراحل المراهقة الأولى والجميع يعرف أن الكويت بلد النفط. كل شيء كان يُسَيِّرُه براميل البترول... المدارس، المستشفيات، الطرق، حتى قهوة الدواوين وشاي الوزارات! لكن يبدو الآن الوضع مختلفاً، والعالم يتغير، ولذلك فدولة الكويت في خطتها الإنمائية الرابعة فكرت: لماذا لا نتحول إلى اقتصاد المعرفة... ماذا يعني هذا؟ يعني أن نكون أغنياء بعقولنا ليس من آبارنا... ولكي نفهم ما الذي سيحدث خلال السنوات الخمس المقبلة، فادخلوا المقال برجلكم اليمنى، وسموا بسم الله.

ما هو اقتصاد المعرفة؟ وهل هناك فرق بينه وبين الاقتصاد العادي؟

اقتصاد المعرفة ليس معناه أننا سنفتتح مدارس تخصصية وجامعات ذات جودة فقط (رغم أن هذا جزء مهم). ولكنه نظام اقتصادي متكامل يقول لك «كن تاجراً في الأفكار والخدمات، وليس في البضائع.»

بمعنى أنه بدلاً من أن نصدِّر النفط الخام، ينبغي أن نصدّر البرمجيات، الأبحاث، الاختراعات، الخدمات الذكية، الاستشارات العلمية، والمنتجات النفطية الابتكارية وحتى المحتوى رقمياً كان أو فنياً أو ثقافياً! فمثلاً بدلاً من أن نبيع نفطاً لليابان، نبيعهم نظاماً ذكياً لإدارة الطاقة، وبدلاً من أن نستورد تكنولوجيا، نصنعها لدينا ونصدرها... فيصبح العقل هو رأس المال الجديد.

ولكن، ما هو الشرط الأساسي لتحقيق اقتصاد المعرفة الذي سيجعل الكويت تصعد قطار المستقبل بدلاً من كونها في قاعة انتظار المطار منذ سنوات؟ خطة الكويت 2035، تقول «يا جماعة، خلاص ما راح ندور على آبار جديدة. لا، راح ندور على عقول جديدة».

وهذه بعض الركائز، فمثلاً التعليم الجديد وهو نظام المعايير الذي أطلقته وزارة التربية أساس الموضوع، صحيح أن الكتب تأخرت... ولكننا نريد طلاباً يفكرون، يبتكرون، يحلون المشاكل، طلاباً «فاهمين مش حافظين»... وكذلك من الركائز البحث والتطوير وإنشاء مراكز أبحاث، ودعم المخترعين، تمويل المشاريع التي تفكر خارج الصندوق... أما حجر الزاوية ورمانة الميزان فهو التحول الرقمي والحكومة الإلكترونية، والمدن الذكية، والبنية التحتية للتكنولوجيا... وربما أهم ركيزة تكمن في إعادة هيكلة دعم المشاريع الصغيرة والشركات الناشئة من أجل فتح المساحات لأي شاب عنده فكرة، فيجد مساحة للتقديم ويأخد تمويلاً، ويدرب نفسه، ويبدأ شركته من الكويت.

إلى هنا عزيزي القارئ! من حقك أن تسأل، كيف يؤثر هذا كله على حياتي اليومية؟

تخيل معي -رغم أني أعلم أن الخيال أصبح عملة نادرة- أن كل الحياة سوف تتحول إلى تطبيق مثل «سهل» ولن تحتاج إلى معاملة حكومية وتدور على 5 موظفين يوقعون لك. كل شيء يصبح أونلاين... وفي الوقت نفسه، شباب كويتيون يبتكرون تطبيقات عالمية مثل Talabat لكن بنكهة كويتية... حتى الفن والإنتاج الإعلامي يصبح قائماً على الإبداع والذكاء الاصطناعي وليس على مدن الإنتاج ذات التكاليف العالية.

يا لها من صورة مغرقة في التفاؤل، إذا ما أهملنا التحديات التي تواجه اقتصاد المعرفة مثل أننا منذ 2020 وحتى اليوم -حسب تقرير الشال- أضعنا أكثر من 56 مليار دولار من الإستثمارات التي كانت يمكن أن تتجه للكويت، وتحصلنا فقط على 4 مليارات لنحتل المرتبة الأخيرة خليجياً.

فيبدو أن الطريق ليس مليئاً بالورد والرياحين، وأصعب تحد أن نعتقد أن الحياة كلها تطبيق «سهل»... فتغيير ثقافة المجتمع من الوظيفة الحكومية الآمنة لريادة الأعمال المخاطرة ليس سهلاً، وتطوير التعليم بسرعة تكفي من أجل أن نلحق بسرعة التكنولوجيا ليس سهلاً... وجذب الاستثمارات الأجنبية في مجال التكنولوجيا والمعرفة ليس سهلاً.

ولكن تعالوا نتأمل في الحملة الوطنية التي أطلقها معالي وزير الإعلام والثقافة عبدالرحمن المطيري، والتي كانت بعنوان «الريادة بالإرادة» والتي تكلمت عن كويت سياحية وكويت ثقافية وكويت إعلامية وأن «كويت جديدة 2035»، ليس شعاراً.. ولكنه واقع نعمل عليه.

لذلك، فإن اقتصاد المعرفة ليس رفاهية، لا هو ضرورة. وإذا ما بدأنا من اليوم، فربما نصعد القطار... وإلا سنبقى في قاعة انتظار المطار نشاهد الطائرات. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر... وكل ما لا يُراد به وجه الله... يضمحل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد