: آخر تحديث

سويسرا المال.. والجدية والحزم والرقابة

1
0
1

تعتبر سويسرا من أجمل دول العالم وأكثرها أماناً، للمال والجسد، وليس بالضرورة للنفس! زرتها كثيراً، واشتريت فيها عام 1975 شقتَين، وكنت، و200 مستثمر آخرون، ضحية قضية نصب مُحكمة، لا تزال آثارها باقية، في الجيب والنفس.

لمحامٍ كويتي معروف قصة طريفة تبين أن الأمن فيها مُحكم، دون أن يظهر شيء على السطح، فقد وصل، مع زميل آخر له، من لبنان، لمطار جنيف، ووضعا حقائبهما في الفندق، واتجها لتناول العشاء في بيت صديق، وخلال دقائق وصل البوليس لبيت الصديق، وتبين أنهم عرفوا العنوان من سائق تاكسي المطار، وعرضت الشرطة الحماية على الضيف اللبناني، الذي تبين أنه كان شخصية سياسية ناشطة في وطنه، وكانت حياته مهددة بالموت، من إحدى المنظمات، ومهمة الشرطة السويسرية مراقبته وحمايته.

يقول آخر إنه سأل صاحب مبنى سكني، كانت تقع فيه شقته، عن سبب عدم وجود كاميرات وجهاز إنذار، فرد عليه بكل برود: «لديك جيران يراقبون، ويبلغون الجهات المعنية بكل شيء»!

وسبق أن قرأت، قبل عقود، عن مسرحية فرنسية بعنوان «العاصفة» La Tempête، لمؤلفها أرماند سالاكرو، تدور أحداثها حول سجين يهرب من السجن، ليجد ملجأً لدى عائلة سويسرية متزمتة. يكتشف خلال ساعة أن قواعدهم المنزلية أكثر تقييداً من حياة السجن، فيختار العودة للسجن. اشتهرت المسرحية بنقدها الساخر والسريالي لأوضاع إحدى أكثر الدول أماناً، وسأماً.

ويقول أحد المدمنين على زيارة سويسرا، في مبالغة واضحة، لكن طريفة، إن مواطنيها، أو غالبيتهم، لا يختلفون كثيراً عن سكان كوريا الشمالية، مع الفارق أن سويسرا لديها «حكومة منتخبة ديموقراطياً».

وعلى الرغم من جمال السكن في سويسرا، فإنه لا يصلح لـ«ربعنا»، المعتادين على الفوضى. يقول صديق آخر إنه خرج لوضع كيس القمامة في الخارج، لكن البرد الشديد، وبُعد الحاوية، دفعه لأن يضع الكيس في منتصف الطريق على أن يعود ويضعه في حاوية القمامة تالياً. خلال نصف ساعة، وصلت سيارة الشرطة المحلية لتحرير مخالفة بحقه، بعد أن وشى به أحد الجيران.

كما دخلت شخصياً في تجربة طريفة، فقد كنت على عجلة للوصول للمطار بالسيارة، وكنت أحرص على تخفيف السرعة عند كاميرات السرعة، وأزيد السرعة بينها، وعند شركة السيارات المستأجرة، تبين وجود 3 مخالفات سرعة بحقي، فاعترضت ليقيني بأنني كنت حريصاً في قيادتي، شرح لي الموظف بأن الكاميرات لا تكتفي بتسجيل سرعة السيارة، بل تقوم باحتساب الوقت الذي استغرق قطعه بين الكاميرا والتالية، فإن كان أقل من المفترض، فهذا يعني أن السرعة بينهما كانت كبيرة، وهذه مخالفة! كان ذلك قبل أكثر من ثلاثين عاماً!

تعتبر تكلفة المعيشة في سويسرا مرتفعة، لكن الخدمات الحكومية، مقابل الضرائب التي تُدفع، مرتفعة أيضاً. ومن الأمور التي كانت تزعج «بني يعرب» وعشاق السهر، أن كل سويسرا تقريباً تنام مبكراً، لكي يتسنى للجميع القيام مبكراً، للعمل. وأتذكر، قبل أربعين عاماً تقريباً، أن صاحب مطعم مشهور بمأكولاته الفرنسية العالية والغالية، لم يتردد في تذكيرنا بأنه علينا ترك المكان، وكانت الساعة قد تجاوزت العاشرة مساءً، بثلاث دقائق.

لا مجال للمرح والفرفشة والمزاح في سويسرا، فهي «دولة جامدة وجادة»، وتعددها اللغوي والعرقي، يجعل كانتوناتها، أو مقاطعاتها شبه واحات منفصلة عن بعضها، وبالتالي لا وجود تقريباً لثقافة عامة تجمع مكوناتها، سواء مسرحية أو غنائية أو غيرها.

يتكلم السويسريون أربع لغات رئيسية: الألمانية، وتشكل حوالي 63%، و23% للفرنسية، والإيطالية 8%، أما الأقلية الأخيرة فهم «الرومانش»، ولا يزيدون على 1%. وهناك 6% يتحدثون لغات مختلفة، وتبلغ نسبة المتحدثين من شعبها بالإنكليزية 44%، وهي من أعلى النسب خارج دول «الإنكليزية».


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد