قبل قدوم الرئيس السوري، أحمد الشرع إلى العاصمة الأميركية واشنطن الأسبوع الماضي، للقاء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كانت المعلومات والتحليلات تربط زيارة حاكم دمشق بثلاث ملفات رئيسية: الانضمام إلى التحالف ضد داعش، إلغاء قانون قيصر، والاتفاق الأمني مع إسرائيل.
ومع بدء التداول بصور لقاء الشرع بترامب، وحديث الأخير عن ضيفه وإشادته به، كانت الأجواء في تل أبيب أقرب إلى السلبية منها إلى الإيجابية حيال اللقاء. ومع عودة الشرع إلى سوريا، تبيّن فقط أن الملف الأول المتعلق بالانضمام إلى التحالف ضد داعش قد أُنجز، فيما بقي ملف رفع عقوبات قيصر معلّقاً بيد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، برايان ماست، واستمرت المراوحة في قضية الاتفاق الأمني بين دمشق وتل أبيب، علماً بأن هناك من يربط موضوع قيصر بقضية الاتفاقية الأمنية.
أسبوع مضى بعد الزيارة، ولم تبصر الاتفاقية الأمنية التي كان يُعمل عليها بحسب مبعوث ترامب، طوم برّاك، النور، لتخرج هيئة البث الإسرائيلية بمعلومات تقول إن "المفاوضات مع سوريا وصلت إلى طريق مسدود، وأن المفاوضات أُديرت بشكل مكثف بوساطة أميركية، لكنها تجمّدت بسبب الخلاف الأساسي حول الانسحاب من المناطق التي دخلتها إسرائيل بعد الثامن من كانون الأول (ديسمبر) 2024، وإن إسرائيل أبدت استعداداً للانسحاب من هذه المواقع فقط عند التوقيع على اتفاق سلام كامل وليس اتفاقاً أمنياً".
في مقابلته مع شبكة فوكس نيوز، كان الشرع في سياق حديثه عن إمكانية الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، قد قال: "إن هناك حدوداً مشتركة بين سوريا وإسرائيل، وإنه لا يمكن البدء بعملية سلام وتل أبيب تحتل مرتفعات الجولان منذ عام 1967". تصريح تلقّفه الإسرائيلي على ما يبدو بعناية، وأراد شنّ هجمة معاكسة تسحب بساط الإشادة الترامبية بالشرع وتضعه تحت ضغط الرئيس الأميركي، فترامب نفسه كان قد اعترف بسيادة إسرائيل على الجولان خلال ولايته الأولى، وأشاد كثيراً بالشرع ووصفه بأنه من أكثر التواقين إلى السلام في الشرق الأوسط، كما أن جهوده تنصب لزيادة عدد الدول المنضمة إلى الاتفاقيات الإبراهيمية. فإذا كان انضمام كازاخستان إليها – بالمناسبة تربطها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ ثلاثين عاماً – أظهره قائد البيت الأبيض على أنه إنجاز عظيم، فما بالك لو انضمت سوريا وهي التي تناصب العداء لإسرائيل منذ قيامها.
من هنا، أرادت تل أبيب قلب الطاولة على الشرع ووضعه تحت ضغط الرئيس الأميركي عوضاً عن تلقي الإشادة منه، وتحميله عبئاً كبيراً، فأعطت ترامب ما يتوق إليه عبر القول إنها تريد اتفاق سلام مع دمشق لا اتفاقية أمنية فقط، لتعزّز النظرة إلى ترامب على أنه صانع السلام في الشرق الأوسط. وبالمقابل، وضعت الشرع بين خيارين: إمّا أن يجنح للسلام معها على قاعدة التخلي عن الجولان والتراجع عن كلامه بوصفها أرضاً محتلة، أو الرفض والمغامرة بخسارة الدعم المعنوي الكبير الذي قدمه ولا يزال يقدمه ترامب له.


