: آخر تحديث

رغم كل شيء سوريا بخير

3
3
3

رامي الخليفة العلي

لم تعرف سوريا في تاريخها الحديث مرحلة أكثر حساسية وتعقيدًا من اللحظة الراهنة؛ لحظة تختلط فيها رائحة الرماد بصوت الأمل، وتتصارع فيها القوى على حاضر البلاد ومستقبلها، بينما يحاول السوريون لملمة ما تبقى من وطنهم الممزق. فمنذ أن انطوت صفحة الحرب الطويلة وسقط نظام الأسد، دخلت سوريا مرحلة انتقالية دقيقة تبحث خلالها عن طريقها وسط ركام مدنها المدمرة، وانقسامات مكوّناتها، وتقاطعات المصالح الإقليمية والدولية. وفي قلب هذا المشهد المربك، يبرز دور قوات سوريا الديمقراطية (قسد) كأحد أخطر التحديات أمام الإدارة السورية الجديدة، إذ تسعى هذه القوات بدعم خارجي إلى فرض وقائع على الأرض في الشمال الشرقي، مستهدفة وحدة الدولة ومحاولة تقويض سلطتها المركزية عبر تعزيز نزعات الانفصال وإقامة كيان ذاتي يبتعد عن العمق الوطني السوري. غير أن الخطر لا يقف عند حدود الداخل، فإسرائيل تتحرك بوضوح في الجنوب السوري ضمن مشروعها القديم-الجديد لتفتيت البلاد، حيث تعمل على دعم بعض المكوّنات في محافظة السويداء عبر رجل الدين المثير للجدل حكمت الهجري، محاولةً إعادة إنتاج تجربة «جيش لبنان الجنوبي» أو ما تسمى ميليشيات سعد حداد، في الجنوب السوري عبر إنشاء منطقة نفوذ خاصة بها تحت غطاء حماية الدروز. هذا المشروع يهدّد وحدة سوريا الجغرافية ويهدف إلى فصل السويداء عن محيطها الطبيعي، ما يجعل المواجهة معه مسألة وجودية لا يمكن التهاون فيها. وفي المقابل فإن سوريا تمتلك بعض أوراق القوة التي لا يستهان بها حيث يبرز الدور العربي، ولا سيما الدور السعودي، كركيزة أساسية في حماية سوريا ودعم استقرارها ولا ننسى الدور الذي قام به الأمير محمد بن سلمان في رفع العقوبات عن سوريا، وها هي المملكة تقف إلى جانب الشعب السوري في لحظة فارقة من تاريخه، مقدمةً الدعم السياسي والاقتصادي، ودافعة باتجاه استعادة سوريا لموقعها الطبيعي في محيطها العربي بعد سنوات من العزلة والانقسام. وعلى الرغم من عمق المأساة الاقتصادية، من عملة فقدت قيمتها إلى بطالة متصاعدة وبنية تحتية مدمرة، تبقى إرادة السوريين في إعادة الإعمار أكبر من كل التحديات، فبناء المؤسسات يمضي قدمًا، والجهود تبذل لعودة اللاجئين، واستعادة الثقة بين مكوّنات الشعب تمثّل أولوية وطنية قصوى. وفي الوقت ذاته، تتحرك القيادة الجديدة بوعي لإعادة تموضع سوريا إقليميًا ودوليًا، موازنةً الدول المنخرطة في الملف السوري، مستفيدةً من انفتاح عربي متنامٍ وتوازنات جديدة في الشرق الأوسط. ورغم المحن التي تحيط بها، أثبتت سوريا أنها قادرة على الصمود، بل وحققت إنجازات مهمة في مسار تثبيت الأمن في مناطق واسعة واستعادة القرار الوطني من قبضة الخارج. وبين جراح الماضي وضباب الحاضر وتحديات المستقبل، تبقى سوريا أكبر من أزماتها، قادرة على النهوض من تحت الركام، شامخة بإرادة شعبها، حاضرة بعزيمة قيادتها، قوية بدعم أشقائها العرب، لتقول للعالم كله: رغم كل شيء، سوريا بخير.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد