أحمد الجميعة
يعرّف دان ألويس -الأب المؤسس لأبحاث التنمر في المدارس- بأنه أفعال سلبية متعمدة من جانب طالب أو أكثر لإلحاق الأذى بطالب آخر، وتتم بصورة متكررة، وتنشأ في حالة عدم التوازن في الطاقة أو القوة (علاقة قوة غير متماثلة)، ويمكن أن تكون هذه الأفعال السلبية بالكلمات، أو الاحتكاك الجسدي، أو الإشارات غير اللائقة، وذلك بقصد وتعمّد عزل الطالب عن المجموعة، أو رفض الاستجابة لرغباته.
والتنمر في المدارس ظاهرة عالمية، وليست حصراً على مجتمع ما، ولكن الحديث عنها في مجتمعنا لتناميها بطريقة مزعجة، ومقلقة، ومخيفة في تشكيل مفاهيم وسلوكيات واتجاهات الكثير من الطلبة، وتحديداً في عمر المراهقة الممتدة في المرحلتين المتوسطة والثانوية، حيث لا تزال القضايا والتعهدات والإنذارات في المدارس شاهدة على تنامي الظاهرة، بل أكثر من ذلك انتقال بعض الطلبة المتنمر عليهم إلى مدارس أخرى، أو فصول أخرى داخل المدرسة، والسبب أن طالباً -أو أكثر- تجاوزوا حدود الأدب والذوق والتربية والإنسانية في الإساءة إلى زميلهم.
اللافت أن المشكلة لا تقف عند حدود الطالب الضحية الذي تعرّض للتنمر، وإنما هناك ضحية أخرى لا يُلتفت إليه غالباً، وهو الطفل أو مجموعة الطلاب المتنمرين الذين يتخذون صورة العنف اللفظي والجسدي سلوكاً مخالفاً في تعاملاتهم، ويمثلون ضحايا سوء التنشئة الأسرية والاجتماعية، وكلتا الضحيتين تحتاجان للعلاج النفسي والسلوكي.
أمر آخر، وهو أن التنمر ليس له علاقة بنوع الجنس؛ فالتنمر موجود في مدارس البنين وأيضاً البنات، وربما يكون تأثيره النفسي لدى بعض الطالبات المتنمر عليهن أكثر عمقاً وإيلاماً، وخصوصاً حينما يتجاوز التنمر في كلماته وأفعاله إلى المظهر العام، أو يمتد بنظرات الاستعلاء لكسر الخواطر وتهميشها.
أخطر ما يمر فيه التنمر في المدارس حالياً، هو التنمر بسبب الميول الرياضي، والإساءة بين الطلبة أنفسهم؛ بسبب خسارة فريقهم المفضل لمباراة أو بطولة، حيث تتحوّل الكلمات والإشارات المسيئة إلى حالة من التعصب، وربما يتطوّر الموقف إلى عدم السيطرة على السلوك المندفع نحو العنف، وبالتالي تحصل صدامات وملاسنات بسبب «الطقطقة» على الطالب المغلوب على أمره؛ لأن فريقه الذي ينتمي إليه خسر، أو لم يحقق بطولات، وهذا يشكّل ضغطاً نفسياً عليه، وربما يفقده التركيز في دروسه، أو يكره المدرسة بسبب التنمر الرياضي عليه.
العلاج يبدأ أولاً داخل الأسرة، وهذا لا نقاش فيه، حيث تعتبر الأسرة البيئة الأولى التي تؤثر في سلوك الطفل، وتساهم في احتوائه، والبحث عن الأسباب ومعالجتها، وخصوصاً التحكم في المحتوى الذي يتعرّض له الطفل من وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، ويبقى الأهم عدم اختلاق الأسرة الأعذار للطفل المتنمر والتبرير لأفعاله؛ لأن هذا مؤشر داخل الأسرة إلى عدم الاعتراف بالمشكلة.
والعلاج أيضاً يمتد في المدرسة، من خلال الإرشاد النفسي وتعديل السلوك، وتعليم الطفل مهارات تساعده على تقدير ذاته، وإبراز مساهماته وإنجازاته، وإشراكه في نشاطات اجتماعية تسمح له بالاندماج مع الآخرين، وبناء ثقته بنفسه.