: آخر تحديث

فلسطين ورقة الابتزاز الاستراتيجي

4
4
4

جمال الكشكي

شاء قدر الجغرافيا الفلسطينية أن تكون الورقة التاريخية التي تتلاعب بها إسرائيل من أجل تنفيذ مشروعها في بسط النفوذ، وتحقيق المكاسب في الإقليم تحت وهم إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط.

في نهاية القرن التاسع عشر، وفي لحظات فوران الاستعمار، ظهرت فكرة «الدولة اليهودية»، وتم اختيار أكثر من مكان في النظام الدولي: الأرجنتين، أوغندا، فلسطين، ومكان بين روسيا، والصين تحديداً في الشمال الشرقي للصين، والجنوب الشرقي لروسيا، ولا يزال قائماً إلى الآن.

لكن وقع الاختيار على فلسطين، التي كانت تخضع للانتداب البريطاني، في اتفاق «سايكس بيكو»، الذي كان يسمى في البداية «سايكس ـ بيكو ـ سازنوف»، الروسي، قبل أن يتم كشف مخطط تقسيم الإقليم الغربي، من قبل فلاديمير لينين، بعد اندلاع الثورة البلشفية في روسيا عام 1917، وتخرج روسيا الشيوعية من الاتفاق، وتبقى بريطانيا وفرنسا، تتقاسمان الأراضي العربية فيما بينهما.

كما قلنا كان من قدر فلسطين أن تكون تحت الانتداب البريطاني، الذي خرج منها ثم سلمها لدعاة «الدولة اليهودية»، أو «المسألة اليهودية»، التي أعلنها «تيودور هيرتزل»، في مؤتمر بازل عام 1897، واستطاع بعد سنوات قلائل أن ينتزع وعداً بإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، من وزير الخارجية البريطاني في ذلك الوقت، فيما عرف بوعد بلفور.

ثمانية عقود منذ أن خرجت بريطانيا من فلسطين، وتركتها لجماعة هيرتزل، ثم توالت فيها الحروب، فلم تكتفِ هذه الجماعة بما حققته من اعتراف في الأمم المتحدة، حين قررت الأخيرة تقسيم فلسطين بين دولة يهودية ودولة عربية عام 1947، ومع ذلك اندلعت حرب 1948.

كان لافتاً للنظر أن يقدم بنيامين نتنياهو أثناء زيارته البيت الأبيض، خطاب ترشيح إسرائيل للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام، في وقت يعاني فيه نتنياهو من مطاردة محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، ويمارس إبادة جماعية ضد السكان الفلسطينيين.

يعتقد في نفسه أنه زئيف جابوتنيسكي، أبو التطرف اليهودي، أو يظن نفسه ديفيد بن غوريون، فإذا كان بن غوريون، قد أسس الدولة عام 1948، فإن نتنياهو يرى في نفسه المؤسس الثاني لإسرائيل الواسعة ذات الخرائط الممتدة، مستنداً إلى تراث خرافي ووهمي، يهدف إلى الاستيلاء على معظم دول الإقليم العربي، بعد أن يكون قد أجهز على الخريطة الفلسطينية الأصلية، ثم التفرغ لقيادة الشرق الأوسط، كما يردد يوماً بعد الآخر، لكن هذا مجرد حلم ليلة صيف.

إن نتنياهو ومن سبقوه، ومن سيخلفونه، لديهم فلسفة استراتيجية ثابتة تقوم على استخدام ورقة القضية الفلسطينية، لتحقيق مشروعاتهم في الإقليم، وليس لديهم أية رغبة، أو نية لإغلاق ملف القضية الفلسطينية، فهم يجعلونها مجرد جمر تحت الرماد، يشتعل وقتما يشاءون.

إنها اللعبة القديمة المتجددة، التي يحترفها قادة إسرائيل منذ تأسيسها، لكن كل هذه الاستراتيجيات والمناورات المتعاقبة بدت مكشوفة وفاشلة وغير قادرة على الاستمرار ومن غير المسموح لها بالعبور.

كل التجارب الواقعية، تقول إنه من دون الحق الفلسطيني في دولة مستقلة، لن يكون هناك لا سلام في الإقليم، ولا خرائط مستقرة في العالم، إنما ما يحدث في المنطقة، هو مجرد لعبة إسرائيلية لإشغال الأمم والنفاذ نحو تصحيح خرائطها التوسعية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد