: آخر تحديث

دور النخب الفكرية في استقرار الأوطان

7
6
6

فيصل الشامسي

من يستقرئ التاريخ القديم والحديث، وينظر ويتأمل في التطورات المتتابعة والمتسارعة في مختلف الملفات والقضايا التي تهم الإنسانية، يدرك التحديات المترامية، وفي مقدمتها المتعلقة بالأمن الفكري سواء في الحياة الواقعية أو في العوالم الافتراضية، لا سيما في ظل العولمة والتطورات التكنولوجية والرقمية، حتى باتت بعض الأفكار العابرة للحدود تشكل تهديداً مباشراً للأوطان والمجتمعات في استهداف نسيجها وتماسكها وهويتها واستقرارها وازدهارها.

وهنا تبرز المسؤولية الوطنية للنخب الفكرية في قراءة المجريات وتحليل الأحداث، بحيث تنطلق من وطنيتها وضميرها الواعي واليقظ، متسلحة بما تملك من علم ومعرفة، وأدوات هذا العصر، وتسخرها في صون الوطن واستقراره من كل أمر يكدر صفوه أو يضر بكيانه، حتى يبقى الوطن شامخاً بأركانه، مستتباً بأمنه وأمانه.

ومن أبرز ما يعكر صفو الأمن والأمان والاستقرار في الأوطان، الأفكار والخطابات والأطروحات المتطرفة، وهي نوعان: إما أن تكون متشددة، وإما منحلة، وكل هذه الخطابات والأطروحات من مخرجات الانحرافات الفكرية والانزلاقات الحزبية، ويدرك المختصون والعقلاء مدى خطورة هذه الأطروحات على المجتمعات وأفرادها، ولا بد أن توضع لها العلاجات الناجعة بأيادٍ وطنية خالصة مخلصة.

ولا بد للنخب الفكرية أن تقوم بدورها تجاه مسؤوليتها الوطنية بأن تنبري وتتصدى لأفكار وأطروحات التطرف، وتسهم بجدية في تفكيك هذا الخطاب الجانح عن الاعتدال، ورد باطله بالأدلة الناصعة، والأساليب القانعة، وترسيخ خطاب وسطي معتدل مبني على القيم الوطنية العليا التي تحتاج إليها الأوطان والمجتمعات من التسامح والتعايش، خطاب ينزع النزعة الطائفية والكارهة، ويرسخ المحبة والألفة وتقبل الآخر.

ومن المسؤولية الوطنية أن تسهم النخب الفكرية في خلق خطابات جميلة وأطروحات رائعة متزنة ومنضبطة تتبنى الاعتدال في نهجها وطرحها، أطروحات تحث على حب الوطن والذود عن حماه، وتؤكد وترسخ طاعة ولي الأمر، وتغرس في نفوس أفراد المجتمع محبته، وتعزز الترابط المجتمعي واللحمة الوطنية وقيم الخير والألفة، وتغرس المبادئ والأسس القوية التي ترتكز عليها المجتمعات الراقية، وهذا أمر مطلوب، بل في غاية الأهمية، لا سيما في وقتنا الحاضر الذي كثر فيه أصحاب الوجوه المتلونة والأقنعة المزيفة ممن يحملون الأفكار المتطرفة، والخطر ليس فقط في الفكر المتشدد، لا بد من التنبه كذلك للفكر المنحل، فكلاهما يهدد الأمن الفكري للأفراد والمجتمعات، والحروب اليوم أصبحت حروب العقول، ومتى ما استنار هذا العقل بالعلم النافع والثقافة المتزنة، كان في مأمن من الانحرافات الفكرية والانزلاقات المظلمة.

ومن الأدوار المؤكدة التي تقع على عاتق النخب الفكرية أن تكرس جل وقتها تجاه غرس الولاء والانتماء للقيادة والوطن، وأن تحذر من التحزبات والولاءات الخارجية، مع بيان خطرها على الأوطان والمجتمعات والأفراد، لا سيما في الوقت الراهن الذي تصدّر فيه أهل الزيغ والتحريض والتنفير مختلف منابر الإعلام والوسائل الرقمية الحديثة، التي يبثون من خلالها سمومهم الفكرية المقيتة.

ومن الأدوار المهمة للنخب الفكرية الوطنية أن تقوم بمسؤوليتها تجاه ترسيخ القيم الرصينة والمبادئ القويمة والهوية الوطنية، فإنما المجتمعات بهويتها وقيمها، وما من مجتمع إلا ويعتز بقيمه وعاداته وتقاليده، فهي جملة الأسس التي تعول عليها تجاه تطورها وتقدمها وازدهارها واستقرارها.

ومن الحكمة والفطنة أن تحرص النخب الفكرية دائماً على أن يكون خطابها وطرحها بشكل إيجابي، يبني ولا يهدم، يجمع لا يفرق، يكون مبنياً على الإخلاص والوضوح، يحمل في طياته حب الوطن وصونه من كل أذى، ومن الرجاحة العقلية أن يدرك ويفهم واقعه، وأن يوظف الخطاب تجاه ما يعزز الهوية والقيم الوطنية، ويرسخ الأخلاقيات والمبادئ السوية، حتى يصبح المجتمع أكثر لحمة وصلابة في مواجهة التحديات المستقبلية.

كما أحث الحكماء والعلماء والمفكرين والباحثين والكتاب، وكل من يحمل فكراً سوياً وراجحاً، على أن يصونوا عقول أفراد المجتمع، ويكونوا بالمرصاد لمن تسول له نفسه العبث بأفكار العامة من الناس، ويبينوا للناس الصحيح من السقيم بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة، لتتم تعرية أصحاب الأفكار والخطابات الملتوية، وأن يبذلوا المزيد من الجهد، وألا يتركوا الساحة للمتربصين، فالعقول إن لم تغرس بالأطروحات المفيدة التي تحصنها من الشذوذ الفكري والأخلاقي، فستكون عرضة لأطروحات الفتنة وتمزيق الأوطان، فتنبهوا.

ومن واجب النخب الفكرية أن تتماشى مع التوجهات الوطنية، وأن تكون جهودها ضمن النطاق المؤسساتي، مبتعدة عن العشوائية، بل من واجبها أن تؤطّر جهودها بالمصلحة الوطنية العليا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد