عبدالعزيز الكندري
العمل الخيري والإنساني الكويتي له تاريخ طويل ومشرف وتضحيات السابقين الذين أسّسوا العمل بكل تفانٍ، ويعود لعقود طويلة حتى قبل ظهور النفط، حيث إن تبرعات أهل الكويت ومن يعيش على ترابها من إخواننا الوافدين لم يكن مرتبطاً بالوضع المادي، لأنهم كانوا يتبرعون بأموالهم وهم في أمس الحاجة إليها.
وقال تعالى: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ»، وسبب نزول هذه الآية؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتى رجل رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أصابني الجهد، فأرسَلَ -صلى الله عليه وسلم- إلى نسائه، فلم يجد عندهن شيئاً، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «ألا رجل يضيف هذا الليلةَ -رحمه الله؟».
فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فذهب إلى أهله، فقال لامرأته: هذا ضيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم، لا تدخريه شيئاً، فقالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية، قال: فإذا أراد الصبية العشاء فنوِّميهم، وتعالَيْ فأطفئي السراج، ونطوي بطوننا الليلة، ففعلتْ، ثم غدا الرجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فقال: لقد عجب الله عزوجل -أو ضحك- من فلان وفلانة، وأنزل الله تعالى: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ» (الحشر: 9)، رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
وحكام الكويت قبل محكوميها كانوا يتسابقون لفعل الخير ونجدة المحتاج داخل وخارج دولة الكويت، ووصلت مشاريع الكويت الخيرية شتى بلاد العالم، وأكاد أجزم أنك لو وضعت يدك على أي بلد في العالم لكان هناك مشروع لجمعية خيرية، أو بيت الزكاة، أو الأمانة العامة للأوقاف، أو الصندوق الكويتي للتنمية، ولن تجد بيتاً في الكويت إلا وفيه متبرع أو كافل يتيم.
وفي عهد الشيخ جابر الأول بن عبدالله حاكم الكويت من عام 1814 إلى 1859، والذي اشتهر بجابر العيش؛ حيث كان يساعد الفقراء والمحتاجين، وكذلك وقفية الشيخ محمد بن عبدالرحمن العدساني سنة 1783 والتي كانت خير شاهد على أن العمل الخيري ومساعدة الفقراء والمحتاجين مترسخة ومتجذرة في قلوب ووجدان الكويتيين.
ومنذ ستينات القرن الماضي، عُرفت الكويت بمبادراتها الخيرية الممتدة من الداخل إلى الخارج. فالمشاريع الإغاثية، وكفالة الأيتام، وحملات بناء المدارس والمستشفيات في الدول النامية، كلها محطات شكّلت سمعة راسخة للكويت بوصفها «مركزاً للعمل الإنساني»، وهو اللقب الذي منحته الأمم المتحدة عام 2014 تكريماً لدورها الريادي.
لم يكن ذلك الدور محصوراً في الدولة كمؤسسات رسمية، بل تجاوزه إلى المجتمع المدني والجمعيات الخيرية والأفراد، ما جعل الكويت نموذجاً متكاملاً للعمل الجماعي الإنساني، يمزج بين الدعم الشعبي والإطار المؤسسي.
وشهدت الساحة الكويتية في الأشهر الماضية توقفاً موقتاً لعمليات جمع التبرعات، كجزء من خطة تنظيمية هدفت إلى تعزيز الشفافية وضبط آليات العمل، وقد أثار ذلك التوقف نقاشاً واسعاً بين مؤيد يرى فيه ضرورة لتقنين العمل وحمايته من أي تجاوزات، وبين من خشي أن يؤثر على سرعة الاستجابة للحالات الإنسانية الملحة...
ومع صدور القرارات الأخيرة التي سمحت بعودة الجمعيات إلى نشاطها الخيري وفق ضوابط جديدة، عاد الأمل إلى الميدان الإنساني، هذه العودة لم تكن مجرد استئناف تقليدي، بل جاءت في إطار أكثر صرامة ووضوحاً، حيث طُلب من الجمعيات الالتزام بآليات محاسبية دقيقة، واعتماد القنوات الرسمية في جمع التبرعات، وهو ما يضمن ثقة أكبر للمتبرعين واستدامة أوضح للمشاريع.
ومن أبرز الأمثلة على الحيوية المتجددة للعمل الإنساني الكويتي، الحملة الوطنية الأخيرة التي حملت عنوان «فزعة لغزة»، والتي تمكنت خلال أيام معدودة من جمع أكثر من 11 مليون دينار كويتي لصالح المتضررين من العدوان.
هذه الحملة لم تكن حدثاً عابراً، بل برهاناً على أن المجتمع الكويتي، بأفراده ومؤسساته، مازال متوقداً بالعطاء، وأن ثقافة البذل لا تُقيدها لوائح أو تحديات، كما أن المشاريع التنموية داخل الكويت، مثل رعاية الأسر المتعففة وكفالة الطلبة وتوفير الرعاية الصحية للمحتاجين، تعكس جانباً آخر من تكاملية العمل الإنساني الذي يجمع بين الداخل والخارج.