من ضمن أفلام عادل إمام الرائعة شاهدت مقطعا في فيلم "مسجل خطر" الذي عرض في عام 1990، هذا المقطع لا يتجاوز ربما دقيقة، لكن في تصوري يغني عن كثير من الخطب المرتبطة بالله -عز وجل- والتقرب له وترسيخ مفهوم الثقة بالله بحكم إيماننا بوجوده وهو -سبحانه وتعالى- مدبر كل شيء وخالق كل شيء. هذا المشهد يعبر عن حالة حضور ذهني مرتبطة بثقة وبعظمة الله سبحانه وتعالى.
المشهد كالتالي، وقد كان في آخر الفيلم تقريباً: عادل إمام يحمل طفلة معه وسط حقل زراعي، والعصابة كانت تحاول إجباره على الخروج من هذا الحقل، فأشعلت النيران فيه فوجد عادل إمام نفسه والطفلة التي معه في ورطة؛ إن خرجا سينتهي أمرهما على يد العصابة، وإن بقيا ستبتلعهما النيران المشتعلة في الحقل. في لحظة تسأل الطفلة عادل إمام: ماذا سنفعل؟ هل سنموت؟ ليرد عادل إمام: لا، قولي "يا رب". بدأت الطفلة تردد "يا رب" وعادل إمام معها يردد بصوت مرتفع "يا رب"، ليشاهدا بعد ثوان سيارات الإطفاء تملأ المكان وتطفئ تلك النيران المشتعلة.
هذا المشهد كما قلت يغني عن كثير من المواقف، ناهيك عن حجم النجومية التي يتمتع بها عادل إمام في العالم العربي، وكم من طفل وأسرة سمعوا عادل والطفلة التي معه يقولان "يا رب". هذا المشهد بقي في ذاكرة كل طفل شاهد هذا الموقف، وكبر معه وأدرك أن التوكل على الله أمر مهم، وهو وحده من يملك الخير للناس وهو وحده - سبحانه - من تجب طاعته.
ما أريد أن أصل إليه؛ هو أن كل الصور التي تقود لمعرفة الله والتمسك به متاحة من الجميع مهما كان مستوى طرح الرسالة أو حجم الاعتراض على عمل من يطرح الرسالة. الدعوة إلى الله تجب على الجميع، ولكل إنسان أسلوبه في هذه المسألة. يجب ألا نحدد من هم الأشخاص الذين يجب أن ترتبط بهم الدعوة إلى الله، ولن يكون هناك في هذا الوقت تحديدا، والذي انتشرت فيه كل وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية، من يجهل بعض المسائل البسيطة التي تتعلق بالله سبحانه وتعالى.
كثير من المواقف يكون تأثيرها في مستوى الإقناع فظيعا، وتبقى راسخة في ذهن كل الأطراف الذين اشتركوا في هذا الموقف. لسنا اليوم في حاجة لأن نبحث عن منابر كبيرة حتى نقول كلاما إنشائيا قد يُنسى في لحظته. اليوم بما تقتضيه ساعة الزمن نحتاج إلى العمل السهل البسيط المرتبط بموقف يقف عليه الناس ويتمسكون بحقيقة ما رأوا. لن تنتظر المجتمعات قصصا من خيال حتى يتحرك فيهم الوعي الديني أو حتى يصبحوا في حالة التزام ديني تام، بل بالعكس، مثل هذه القصص أصبحت تنفر ولا تقرب لأي هدف مهما كانت أهميته.
قد لا يعتبر عادل إمام الممثل قدوة صالحة عند البعض، لكن هذا لا يعني أن نجرده من ارتباطه بالله ونرفض كل شيء يقدمه بسبب حكم بعض المتشددين عليه. لست هنا في صدد الدفاع عنه، لكن من العدل أن يكون لكل إنسان أسلوبه في الحياة ويستفيد من إمكانياته لتوصيل رسالته، وعلى المتلقي أن يقبل أو يرفض. ولن تكون كل الرسائل مرفوضة، ولن تكون جميعها مقبولة، وقد تكون محور نقاش في جلسة مثقفين يتبادلون الآراء حولها. وفي النهاية، مهما كانت النتائج، فالفائدة لن تكون معدومة.
لهذا من الواجب أن نترك بعض التصرفات التي فيها أحكام مطلقة يسودها التعصب لقضايا معينة، ونمنح فئة من المجتمع فقط فرصة الخوض بها وتشكيلها وفق ما يرونه مقبولا من وجهة نظرهم. بهذا التوجه لن يكون للعدل مكان، وسنحرم المجتمعات من فكرة النقاش وتبادل الآراء بحجة المعرفة والفهم والبحث.