: آخر تحديث

النزول من فوق الأشجار

5
4
5

علي عبيد الهاملي

من المصطلحات التي لفتت نظري، وأنا أتابع أحاديث المحللين السياسيين والعسكريين والخبراء الاستراتيجيين وحواراتهم على شاشات القنوات الإخبارية، مصطلح «النزول من فوق الشجرة».

بحثت عن أصل المصطلح ومعناه، وعن أول من استخدمه في المجال السياسي، فوجدت أن كثيراً من الباحثين في الخطاب السياسي العربي يرجحون أن يكون الرئيس المصري الراحل أنور السادات هو أول من استخدم هذا المصطلح في سياقٍ سياسيٍ.

هذا المصطلح استُخدم خلال الآونة الأخيرة في كثير من المواقف والأزمات السياسية، مثل مفاوضات إيران والغرب حول الملف النووي، والحرب الإسرائيلية الإيرانية، وارتفاع التوترات بشأن التنقيب عن الغاز بين تركيا واليونان.

النزول من فوق الشجرة يتطلب الصعود إليها أولاً، وفكرة صعود الشجرة ذكرتني بمسرحية الكاتب المصري توفيق الحكيم «يا طالع الشجرة» التي تنسب إلى مسرح «العبث» أو «اللامعقول».

العبثيّون هم مجموعة من الأدباء المُحدَثين والطليعيين الذين تأثروا بنتائج الحروب العالمية المدمرة والويلات والدمار المادي الذي طال أوروبا، فرأوا أن جميع النتائج التي نجمت عن تلك الحروب سلبية، خلقت نفسيةً سيطر عليها انعدام الثقة في الآخرين.

الشجرة الوحيدة التي كانت في مسرحية الحكيم هي شجرة البرتقال المزروعة في حديقة بيت الزوجين، بطلي المسرحية؛ تلك الحديقة التي لا تتسع لأكثر من شجرة واحدة.

هكذا تقتضي أصول اللعبة التي يربح فيها الكبار فقط، أما الصغار الذين يدخلونها معتقدين أنهم هم الذين يديرونها، فهم الخاسرون دائماً، لأنهم ليسوا أكثر من بيادق صغيرة على رقعة شطرنج كبيرة، والبيادق محدودة القدرة على الحركة، حتى لو بقي عدد منها حياً إلى نهاية اللعبة.

خلال الحروب التي اندلعت في منطقة الشرق الأوسط خلال العامين الأخيرين، رأينا الكثيرين يصعدون فوق الأشجار. نزل عدد منهم، وبقي عدد فوقها بانتظار من ينزله، أو على أمل أن يتمكن من النزول بنفسه قبل أن يهوي من فوقها أو يتم اجتثاث الشجرة من جذورها ويتم اجتثاثه معها. فمن سينزل من فوق الشجرة، ومن سيبقى فوقها؟

الأخبار التي حملها لنا هذا الأسبوع عن التحركات التي تحدث هنا وهناك تقول إن عدد المرشحين للنزول من فوق الأشجار كبير، يجمع بينهم أنهم كانوا جميعاً بيادق صغيرة على رقعة الشطرنج الكبيرة، فهل ترانا على مشارف مرحلةٍ تعيد لنا مشهد الحجاج بن يوسف الثقفي وهو يصعد فوق المنبر ليطلق مقولته الشهيرة: إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد