خالد بن حمد المالك
بينما أجمع السوريون والعرب والعالم الحر على احترام موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب باستجابته لطلب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان برفع العقوبات عن سوريا، وتثمين هذا الموقف للرئيس وولي العهد، فقد صدم الجميع بموقف وزير خارجية أمريكا حين طالب بأن تقود الولايات المتحدة السياسة السورية من القاعدة إلى القمة، وإلى أن يكون لها أيضاً حصة في تعيين المسؤولين في سوريا.
* *
هذا لو تم بمثابة استعمار جديد، يستغل فيه وزير خارجية أمريكا الوضع غير المستقر في سوريا، ومرحلة التحول بعد نظام الأسد، وما يصاحبها حالياً من تحديات ليطرح مثل هذا التصور للعلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية العربية السورية، وكأن أمريكا أمام مرحلة تقسيم لسوريا، وتحدد بهذا الكلام حصتها في الدولة.
* *
يعرف الوزير الأمريكي أن هذا غير ممكن، لا لأمريكا ولا لأي دولة أخرى، وأن من يحكم سوريا، لن يقبل بها إلا أنها دولة مستقلة وموحَّدة وذات سيادة، مع فتح الباب للتعاون والشراكات، وبناء أوثق العلاقات مع أمريكا التي جاء رفع عقوباتها على النظام السابق دافعاً لتقوم الدول الأوروبية هي الأخرى برفع العقوبات.
* *
سوريا تحتاج من أمريكا إلى مساعدتها في وقف التهديد الإسرائيلي لوحدة أراضيها، وإلزامها بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها مؤخراً، ورفع يدها عن دعم فئة من السوريين ضد النظام الشرعي للدولة، والقضاء على بقايا ما خلفه النظام السابق من عناصر إرهابية، وخروج العناصر الأجنبية، والتخلّص من السلاح المنفلت، ومحاصرة مصانع ومروِّجي المخدرات، أكثر من المطالبة بحصة في حكم سوريا.
* *
لعل الوزير الأمريكي ربما أنه لم يكن جاداً في قوله، أو أنها زلة لسان، لأن هذا التوجه يتناقض تماماً مع رفع الرئيس الأمريكي للعقوبات، ومع حديثه الإيجابي عن الرئيس السوري أحمد الشرع، وعن دعمه لسوريا لتكون دولة متعافية من التحديات، والمحن، والإذلال، الذي مرَّ به الشعب السوري الشقيق خلال حكم حافظ الأسد، ومن بعده ابنه بشار الأسد، وهو حق مشروع، كما هو حق لكل الشعوب في العالم.
* *
إن مثل هذه التصريحات السلبية هي ما يساعد على الإخلال بالأمن في سوريا، ووجود اضطرابات في بعض المناطق، وهي من بعض الفئات السورية للتمرد على القوانين والسلم في الدولة، وتالياً سوف يؤثِّر ذلك على الاستقرار في المنطقة، وجر دولها إلى نزاعات لا تخدم ما ينبغي أن تقوم به واشنطن من عون ودعم للاستقرار والتهدئة في منطقة تواجه الكثير من المؤامرات الخارجية على أمنها واستقرارها.
* *
دخول إسرائيل على الخط للتأثير على المستقبل الإيجابي لسوريا، بدعم الدروز السوريين، وإعلانها عن حمايتهم ضد ما تدعيه من أكاذيب عن موقف النظام السوري منهم، واحتلالها للأراضي السورية في الجنوب، وغاراتها على المراكز والمواقع العسكرية، وتدمير الأسلحة والمنشآت العسكرية، دون وجود مظاهر تهديد لإسرائيل، أو تعرضها لأي إطلاق نار من الجانب السوري، هو ما ينبغي على أمريكا أن تتدخل به، وتمنع حليفتها إسرائيل من التمادي في خلق نزاع مع سوريا، رغم عدم وجود رد مشروع من دمشق.
* *
لقد تركت زيارة الرئيس ترمب للمملكة وقطر والإمارات انطباعاً مفرحاً إثر تجاوبه مع طلب الأمير محمد بن سلمان في رفع العقوبات عن سوريا، وكذلك تصريحاته المحبة لقادة وشعوب المنطقة، وما تم في الزيارة من اتفاقيات بين أمريكا من جهة وكل دولة من الدول الثلاث من جهة أخرى لصالح الجميع، وبالتالي فلا ينبغي أن تُخرّب هذه الصورة الجميلة عن الزيارة التاريخية، أو أن تعطي لأعداء أمريكا والمملكة والدول العربية الخليجية فرصة للمساس بهذه العلاقات التي تضرب جذورها في التاريخ.