: آخر تحديث

كيف رسّخت الإمارات مكانتها في التجارة العالمية؟

2
3
2

سلطان حميد الجسمي*

في ظل عالم تتسارع فيه التحولات الاقتصادية وتتعاظم فيه التحديات الجيوسياسية، برزت دولة الإمارات العربية المتحدة كواحدة من أكثر الاقتصادات مرونة وتأثيراً في التجارة العالمية. هذا الإنجاز لم يكن وليد لحظة، بل هو حصيلة رؤية استراتيجية طويلة المدى، وإرادة سياسية واضحة، وبنية تحتية متقدمة، وسياسات تجارية ذكية، مكّنت الإمارات من ترسيخ مكانتها كقوة تجارية صاعدة خارج إطار النفط. وقد عبّر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، عن هذه الإنجازات في تغريدة ملهمة، أشار فيها إلى أن قيمة التجارة الخارجية غير النفطية للدولة بلغت في النصف الأول من عام 2025 نحو 1.7 تريليون درهم، محققة نمواً قدره 24% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، في حين لم يتجاوز معدل نمو التجارة العالمية 1.75%. كما لفت سموه إلى القفزات الكبيرة في حجم التبادل التجاري مع عدد من الدول الشريكة، من بينها ارتفاع بنسبة 120% مع سويسرا، و41% مع تركيا، و33% مع الهند، و29% مع الولايات المتحدة، و15% مع الصين. وقد اختتم سموه التغريدة برسالة تفاؤل وثقة قائلاً: «الأرقام تتحدث عن علاقاتنا الاقتصادية مع العالم... وتقول إن القادم أجمل وأعظم بإذن الله». هذه الأرقام لم تأتِ من فراغ، بل تعكس نضجاً في السياسات الاقتصادية الإماراتية ونجاحاً في بناء نموذج تنموي متوازن ومتكامل. فمن خلال تبنّي سياسة التنويع الاقتصادي، نجحت الإمارات في تقليل اعتمادها على النفط، وتوجيه مواردها نحو تطوير قطاعات بديلة ذات قيمة مضافة مثل الصناعة المتقدمة، والخدمات المالية، والتكنولوجيا، والخدمات اللوجستية. وشكّلت التجارة الخارجية غير النفطية محوراً أساسياً في هذه الاستراتيجية، باعتبارها مؤشراً على صحة الاقتصاد وانفتاحه وتفاعله مع الأسواق العالمية. يُعد تحقيق 1.7 تريليون درهم من التجارة غير النفطية خلال ستة أشهر فقط إنجازاً اقتصادياً يؤكد نجاح القيادة الرشيدة لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي وضعت استراتيجية متكاملة ومستدامة لتنويع الاقتصاد وتعزيز مكانة الدولة في منظومة التجارة العالمية. هذه الاستراتيجية لم تكن مجرّد خطط على الورق، بل رؤية واقعية نُفّذت بخطوات دقيقة ومتناغمة، تحت توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وبمتابعة مباشرة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله. ويعكس هذا الإنجاز أيضاً كفاءة البنية التحتية الإماراتية وتكامل سلاسل الإمداد. فالموانئ، والمناطق الحرة، وشبكات النقل الذكية، والمطارات، والمراكز الجمركية، كلها لعبت دوراً في تسريع حركة التجارة وجعل الإمارات حلقة وصل بين الشرق والغرب. كما أسهم التحول الرقمي في تبسيط الإجراءات التجارية، وزيادة الشفافية، وخفض التكاليف التشغيلية، ما عزّز جاذبية الدولة كمركز إقليمي للتجارة والاستثمار. أما على صعيد العلاقات الدولية، فقد انعكست سياسة الانفتاح التجاري في توسع شبكة الشراكات الاقتصادية للدولة، عبر اتفاقيات تعاون وتبادل حر فتحت أسواقاً جديدة. وجاءت القفزات الكبيرة في التجارة مع عدة دول كدليل على أن الإمارات لم تكتفِ بإدارة تجارتها التقليدية، بل نجحت في بناء علاقات استراتيجية متنوعة. ولا يمكن النظر إلى هذه الإنجازات بمعزل عن تصاعد مكانة الإمارات في مؤشرات التنافسية العالمية. فقد حافظت الدولة على مراكز متقدمة في تقارير مثل التنافسية العالمية وسهولة ممارسة الأعمال، ما يعكس فاعلية الأداء المؤسسي وقدرة الدولة على استيعاب النمو المتسارع. هذه المكانة تمنح الإمارات مزيداً من النفوذ في صياغة التوجهات الاقتصادية الإقليمية والدولية. كما لا يمكن إغفال دور القطاع الخاص الإماراتي، الذي أسهم بشكل فعال في دعم التجارة، من خلال الشركات الوطنية الكبرى والمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي استفادت من الحوافز، والبنية التحتية، والممكنات الرقمية التي وفرتها الدولة. هذا التكامل بين القطاعين العام والخاص جعل من الإمارات نموذجاً اقتصادياً فريداً قائماً على الشراكة الفاعلة. وعلى ضوء هذه الأرقام، تبدو آفاق التوسع التجاري واعدة، حيث تسعى الإمارات لاقتحام أسواق جديدة في آسيا الوسطى وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، ضمن خطة لتنويع الشراكات التجارية، وقد وقّعت اتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة مع بعض هذه الدول، أو دخلت في مفاوضات فعلية معها. كما أن التركيز المتزايد على الاقتصاد الأخضر، والصناعات المتقدمة، والخدمات الرقمية العابرة للحدود، يؤكد أن التجارة الخارجية غير النفطية ستستمر في النمو خلال السنوات المقبلة. وتُعزز هذه الإنجازات رؤية القيادة نحو بناء اقتصاد معرفي وتنافسي، يقوم على الابتكار والتنوع والاستدامة، ويُنفَّذ بمتابعة مباشرة، من خلال تحفيز القطاع الخاص، وتطوير التشريعات، وتمكين الكفاءات الوطنية. إن ترسيخ مكانة الإمارات في التجارة العالمية لم يكن نتيجة لوفرة الموارد، بل لحُسن إدارتها واستثمارها الذكي. وما هذه الأرقام إلا انعكاس لمسار بدأ منذ سنوات، واستمر بثبات لتصبح الإمارات اليوم نموذجاً عالمياً للنمو المستدام والتأثير الإيجابي. وفي ظل هذه النجاحات، تؤكد الإمارات يوماً بعد يوم أنها لا تسعى فقط للمنافسة، بل للريادة.

* كاتب وإعلامي


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد