: آخر تحديث

حكايتي مع المقال

0
0
0

علي عبيد الهاملي

عندما هاتفني الصديق الدكتور عبدالخالق عبدالله، رئيس مجلس أمناء جائزة «المقال الإماراتي»، يخبرني أن مجلس أمناء الجائزة قرر استحداث فرع جديد، أطلق عليه «رواد المقال الإماراتي»، شعرت بفرح كبير، لأن رواد هذا الفن من فنون الكتابة والإبداع في الإمارات يستحقون التكريم الذي يليق بريادتهم.

وبتاريخ فن كتابة المقال في الإمارات، منذ أن عرفت الصحافة طريقها إلى هذه الأرض قبل ما يقرب من قرن من الزمان، وهو تاريخ ما زال بحاجة إلى بحث معمق، وإلى تسجيل دقيق، حيث إن ما كُتب ودُوّن عن تاريخ نشأة الصحافة في الإمارات ما زال قليلاً وغير كافٍ.

وعندما أبلغني أن مجلس الأمناء قرر منحي جائزة «رائد المقال الإماراتي» في الدورة الأولى من الجائزة (2025) ازداد فرحي، وتداعت إلى ذهني سنوات طويلة من ممارستي هذا الفن، الذي أحببته منذ وضعت قدمي على أولى درجات سلم الكتابة، وأنا لم أزل بعد طالباً على مقاعد الدراسة.

وتذكرت ذلك اليوم الذي خطوت فيه غير متهيب ولا متردد إلى مكاتب مجلة «أخبار دبي» في مبنى بلدية دبي، أوائل السبعينيات من القرن الماضي. يومها لم تكن هناك جوائز، ولم يكن هناك دافع سوى الشغف بعالم الكتابة وسحر القلم، هذا الشغف الذي لازمني طوال أكثر من خمسين عاماً، كانت الكتابة خلالها هواية لا وظيفة.

واليوم عندما يمنحني مجلس أمناء جائزة «المقال الإماراتي» صفة «رائد المقال الإماراتي» في دورة الجائزة الأولى فهو لا يكرمني وحدي، وإنما يكرم جيلاً كاملاً من كتاب المقال الإماراتيين، الذين آمنوا بأن الكلمة مسؤولية، وأن المقال سلاح يخاطب العقل ويحاور الضمير، فالكلمة عندما تكون صادقة تخترق الأسوار المنيعة، وتصل إلى هدفها بدقة، وتحقق الأثر المطلوب منها بجدارة.

هكذا كان كُتّاب الإمارات المخلصون الشرفاء دائماً، وهكذا سيبقون، يضعون مصلحة وطنهم فوق كل شيء وقبل أي شيء، فهذا الوطن لا يقوم، كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلا على الشرفاء الذين لديهم عزة نفس وكرامة وتضحية، الذين يضعون سمعة بلدهم في المقدمة.

فالكلمة موقف، والمقال جسر بين الكاتب ومجتمعه، وفي مجتمع الإمارات، ولله الحمد، الكثير من الجسور القوية، جسور بين القيادة والشعب، وجسور بين الكُتّاب والمجتمع، وجسور بين أفراد المجتمع أنفسهم.

في المسيرة التي يختلط فيها الحبر بالنبض، وتصعد فيها الكلمة من القلب إلى الورق، كي تصل إلى الناس، لا تكون الجوائز مجرد تكريم عابر، بل إشارات مضيئة في درب طويل، تُنبئ الكاتب بأنه لم يكن وحيداً في حديثه مع السطور.

وحين كرّمني مجلس أمناء جائزة «المقال الإماراتي» بجائزة «رائد المقال الإماراتي» أحسست كما لو أن الزمن عاد بي إلى مقعدي الأول، أمام صفحة بيضاء، أرتّب فيها وجعي، وأمارس شغفي، وأبحث عن هموم وطني.

لم تكن الجائزة لاسمٍ أو سيرة، بل لرحلة طويلة من الكتابة، حاولت خلالها أن أكتب بلغة لا تعرف الصراخ وهي تشق طريقها إلى القلب. في لحظة التقدير هذه، رأيت وجوه أساتذتي وكل من شجعني عبر مسيرتي في عالم الكتابة، رأيت ابتسامات وانفعالات كل من قرأ لي، رأيت خطوات كل من عبروا مع المقال دروب الوعي. شعرت أن الكلمة التي ظللت أكتبها بضمير حيّ وقلم مخلص، طوال أكثر من خمسين عاماً، وجدت طريقها إلى من يقدّر قيمتها.

لقد حصلت على جوائز عديدة خلال مسيرتي الممتدة، ولكن يبقى لهذه الجائزة أثرها الخاص وقيمتها، كونها تحمل صفة «الريادة» التي أشعرتني بمرور الزمن الذي لا نشعر به إلا عندما ينبهنا الآخرون إلى أنه قد مرّ سريعاً.

وأننا لم نعد أولئك الصغار الذين نفرح برؤية أسمائنا مكتوبة في المجلات والصحف إلى جانب مقالاتنا، فنتمنى لو أن الزمن يعود بنا إلى الوراء لنعيش جماله من جديد، ونتمنى أن نكون قد قدمنا ما يستحق أن يفخر به أبناؤنا وأهلنا، وزملاؤنا، وأبناء وطننا.

شكراً لمؤسس الجائزة الكاتب الأديب الأستاذ عبدالغفار حسين، شكراً لرئيس وأعضاء مجلس أمناء الجائزة الذين أسعدوني بهذا التكريم، شكراً لوطني الإمارات، الذي منحني هذه الفرصة كي أرد له شيئاً، ولو يسيراً، من أفضاله الكثيرة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد