بدأ الدكتور طارق العوضي في عام 2002 حفائره العلمية في منطقة أهرامات أبو صير، على جانبي الطريق الصاعد الذي يربط بين معبدي الوادي والجنائزي للملك ساحورع - ثاني ملوك الأسرة الخامسة (2345 – 2494 قبل الميلاد) - واستمرت الحفائر حتى عام 2006. أسفر خلالها الكشف عن 20 كتلة حجرية ضخمة، تتراوح مقاساتها ما بين 2X2.5 متر، و2X3 متر من الحجر الجيري الملكي المستخرج من محاجر طرة الملكية بالقرب من منطقة حلوان. وتحمل أسطح هذه الكتل الحجرية الكبيرة نقوشاً بارزة، تعتبر من أيقونات الفن المصري القديم. وتصور المناظر عدداً من المواضيع التي لم يكن علماء الآثار يعرفون عنها شيئاً ضمن برنامج مناظر المجموعة الهرمية خلال عصر الدولة القديمة.ونتحدث هنا عن تلك المناظر التي تصور عودة السفن التجارية التي أرسلها الملك ساحورع إلى بلاد بونت، وأبحرت في البحر الأحمر متخذة الاتجاه الجنوبي ربما من وادي الطميلات. ونرى السفن وهي عائدة إلى الميناء الذي يربط نهر النيل بحديقة قصر الملك ساحورع، وهي محملة بغنائم الرحلة التجارية من حيوانات وبضائع وبعض العائلات القادمة من بونت، وكذلك أغلى ما جلبته هذه الرحلة، وهي أشجار البخور، واللبان العطري من بلاد بونت. ونرى مشهداً جديداً في الحضارة المصرية! يصور الملك وهو واقف ومن خلفه العائلة الملكية من زوجته والأم الملكية وكبار موظفي الدولة. وقد أمسك الملك بمخراز (قدوم مدبب السلاح) ويقوم بضرب لحاء شجرة من أشجار البخور. لكي يسمح للمادة العطرية التي تشبه الصمغ أو اللبان بالخروج على هيئة سائل يتجمد على أفرع الشجرة بمجرد أن يلامس الهواء.
وفي مشهد آخر، نرى الملك ساحورع جالساً على عرش عظيم وأمامه جلست العائلة الملكية تتقدمها الأم الملكية ومن خلفها زوجة الملك وأبناؤه الذكور. ويذكر النص المنقوش بالخط الهيروغليفي المصاحب للمنظر أن الملك يقوم بإهداء اللبان العطري أو البخور من شجرة «العنت» إلى الأم الملكية. وقد سجل أمام كل فرد من عائلة الملك اسمه ولقبه. وفي الحقيقة فإن اسم أول أبناء الملك قد وضع حداً لنقاش طويل بين علماء الآثار الذين كانوا قبل اكتشاف هذا المنظر يعتقدون أن الملك «نفر إير كا رع» هو أخو الملك ساحورع! وأنه اغتصب العرش من ابن ساحورع ووريثه على العرش. إلا أن المنظر الذي كشف عنه الدكتور طارق العوضي قد أكَّد أن نفر إير كا رع هو أول أبناء الملك.المدهش، احتفاء الملك ساحورع بقدوم هذه الأشجار وهي حية إلى القصر الملكي لكي تزرع مرة أخرى في حديقة القصر، معبراً عن أهمية هذه الأشجار والتي كانت عند المصريين القدماء أغلى من الذهب. وإلى الآن لا نعرف هل نجحت تجربة إعادة زراعة أشجار البخور في مصر أم لا؟ لكن المؤكد أن الملكة حتشبسوت - وبعد ما يقرب من ألف عام بعد وفاة الملك ساحورع قد أعادت التجربة مرة أخرى، حيث عادت بعثتها التجارية إلى بلاد بونت بأعداد كبيرة من أشجار البخور النادرة، وهذه المرة تسمى «العنتيو»، والتي يبدو أنها نوع يختلف عن أشجار الملك ساحورع. حيث إن أشجاره من دون أوراق، أي غير مورقة، أما أشجار الملكة حتشبسوت فكانت كثيفة الأوراق، وتختلف في شكلها عن تلك التي أحضرها الملك ساحورع. لكن حتشبسوت كانت هي أيضاً ترغب في إعادة زراعة هذه الأشجار حول معبدها الجنائزي بالدير البحري، وفي معبد الكرنك مركز عبادة آمون. ومرة أخرى لا نعرف هل كانت تجربة الملكة حتشبسوت ناجحة أم لا في إعادة استزراع تلك الأشجار النادرة في مصر مرة أخرى؟