مع المعاناة التي تعيشها مهنة الإعلام الحقيقية خصوصاً في مجتمعنا مع تسيد وسائل التواصل الاجتماعي ومعاناتنا مع الفوضى المؤلمة بهذا المجال الحيوي الهام، جاء الإعلان المشترك بين وزارة الإعلام ووزارة التعليم بابتعاث متخصصين في الإعلام ليعيد الأمل في عودة الهيبة للمهنة، بعد أن تسيد المشهد مؤثرون بلا أدوات ولا معايير، وتركوا خلفهم فراغًا مهنيًا هائلًا..!!
لقد تحولت الساحة الإعلامية خلال السنوات الأخيرة إلى منصة مفتوحة لما يُعرف بمصطلح (المشاهير)، حيث يكفي أن تمتلك عددًا من المتابعين حتى تتحول إلى “إعلامي”، دون حاجة إلى دراسة أو مسؤولية أو أخلاقيات مهنة، والإشكالية ليست في الظهور، بل في المحتوى؛ إذ تسيدت التفاهة والخروج عن الذوق العام، فأصبح الجاذب ما يخالف الاخلاقيات!
من هنا تأتي أهمية خطوة الابتعاث، فهي ليست مجرد مقاعد دراسية في الخارج، بل مشروع وطني لإعادة بناء الإعلام عبر شباب مؤهل أكاديميًا، قادر على قيادة الرأي العام وتقديم بدائل مهنية تصنع الفارق، كون الإعلام الحقيقي لا يُصنع في استوديو عشوائي أو بث مباشر مرتبك، بل في قاعات علمية وأكاديمية تصقل الموهبة وتضعها في إطار مهني راسخ.
هذه الخطوة ولو انها تأخرت كثيراً كابتعاث مدروس وليس عشوائي، إلا انها مهمة جداً مع هذا القطاع الحيوي، قطاع الإعلام السعودي الذي يسجل اليوم حضورًا متناميًا بالتوافق مع رؤية 2030، حيث من المتوقع ان يساهم بأكثر من 45 مليار ريال بالناتج المحلي، مع استهداف 160 ألف وظيفة، مقارنة بـ67 ألف وظيفة فقط في 2024، وهذه الأرقام تكشف أن الإعلام لم يعد مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل صناعة واقتصاد وفرص عمل ضخمة.
ان ما تم الإعلان عنه مؤخراً ليس خطوة تعليمية عابرة وتقليدية، وإنما من وجهة نظري قرار إستراتيجي لاستعادة المهنة وانتشالها من الفوضى التي نعيشها بكل تجرد حالياً، وإعادة الإعلام إلى مكانته الطبيعية، كرسالة تحمل قيم المجتمع، وصوتًا يليق بصورة الوطن، وقطاعًا اقتصاديًا يواكب تحولاتنا المستمرة.!
المبادرة إذا نجحت وتم التخطيط لها إعلاميًا وتعليمياً ستكون بداية عصر جديد للإعلام السعودي، عصر يحترم المهنة والذوق العام، صحيح انها ليست كل الحلول لمعاناتنا الحالية، ولكن ستكون إذا نجحت بداية للعودة للواقع الحقيقي لنا، وليس فوضى الهبل والمغريات اللفظية والجسدية الخارجة عن الذوق العام، والتي تتصدر مشهدنا الإعلامي الحالي بكل ألم في هذا الزمن.