خالد بن حمد المالك
لا ينبغي فهم ما قاله نتنياهو عن إسرائيل الكبرى على أنها زلة لسان، أو كلام يطير في الهواء، أو أن تصريحه لا يعدو أن يكون للاستهلاك المحلي، لكونه يواجه ضغوطاً قانونية تضعه أمام طائلة المحاسبة على فساده، بل ومن الخطأ النظر إلى أقواله على أنها استدرار لعواطف الإسرائيليين للتجديد له رئيساً للحكومة بعد أن اقتربت ولايته إلى نهايتها، أو أنها بالون اختبار لمعرفة ردود الفعل عمّا أسماه بإسرائيل الكبرى.
* *
هذا المعتوه لا يتكلم فقط بلسانه نيابة عن غيره من الصهاينة، بل ولا عن اليهود، بل إنه يتكلم أيضاً باسم كل من لا يُنكر قوله، أو لا يُندد بأقواله من قادة دول العالم، فالصمت أمام تهديد أمن واستغلال الدول، يعني فيما يعنيه التوافق مع هذا التوجه الحقير.
* *
كلام نتنياهو، وما صرح به، عمّا يسمى (رؤية إسرائيل الكبرى) لا يجب أن يُفهم على وجه مختلف عن سياقه وعمّا عناه، أو تفسير يُخالف النوايا الصهيونية، وثم على العالم أن يدين ويرفض هذا التفكير الغبي الذي يتجه نحو المساس بسيادة الدول، وتهديد الأمن والسلم إقليمياً وعالمياً.
* *
إن مجاهرة رئيس وزراء إسرائيل بالحديث عن أطماع إسرائيل بإقامة ما أسماه (إسرائيل الكبرى) كمن يقول للعرب اقبلوا بضم الضفة الغربية وقطاع غزة لإسرائيل، واعترفوا بها ضمن الدولة الإسرائيلية وإلاّ فانتظروا في المستقبل ما هو أكبر، بضم دولكم لما أسماه بإسرائيل الكبرى، وهو يعلم أن أمام مخططاته وأطماعه دولا ورجالا، وأن لا بقاء ولا خيار لبقاء إسرائيل أكثر من حدود عام 1948.
* *
يقول هذا الصهيوني النازي المتعجرف: إنه في مهمة تاريخية وروحية مرتبطة بإسرائيل (الكبرى) في تصعيد تُهدد به حكومة إسرائيل الإرهابية الأمن والاستقرار في المنطقة، وإبقاء دوامة العنف على ما هو عليه فيها، وعلى المجتمع الدولي أن يتخلى عن صمته، ويكون له موقف شُجاع مع تمرد إسرائيل على القوانين الدولية.
* *
ومع التأكيد على أن هذه الأوهام بلا قيمة، ولا من أثر لها، حتى وحديث نتنياهو لقناة (24) الإسرائيلية يتمثل في الحلم الإسرائيلي بوصفه مهمة أجيال، يسلمها جيل إلى جيل، وكيف أنه يشعر بأنه في مهمة روحية وتاريخية من أجل الشعب اليهودي، هكذا يقول قاتل الأطفال والنساء، ومن قاد حرب إبادة ضد الفلسطينيين المدنيين.
* *
ما لفت نظري، وهو يتحدث عن هذا الوهم الفضفاض، تأكيده على أن لإسرائيل أصدقاء وداعمين عظماء، وسمى الرئيس الأمريكي ترامب على أن إسرائيل لم تشهد داعماً وصديقاً مثله في تاريخها، وكأنه يربط بين هذه العلاقة، وبين إطلاق وهمه بإسرائيل الكبرى، وكأنه يتحدث عن خطة استعمارية اسمها الشرق الأوسط الجديد.
* *
مع هذا الإفصاح الأحمق عن وهم رئيس وزراء إسرائيل بدولة (إسرائيل الكبرى) هناك من اعتبرها بمثابة انتحار من جانب نتنياهو، وأنها ستكون بمثابة الرمح الذي يخترق عنقه، غير أن ذلك لا يكفي عربياً عن الاستعداد لمواجهة هذا التحدي الذي وصل إلى توعده باحتلال دول عربية بالكامل، وأخرى نصف مساحتها، في ظل صمت العالم، ومرور هذا الكلام مروراً سهلاً دون تفاعل رافض.
* *
إسرائيل الآن في عزلة دولية، إلا من أمريكا، وهي أمام اعتراف دولي بدولة فلسطين، ورفضاً للاستيطان في الضفة والقطاع، ولعل نتنياهو في مغازلته للداخل الإسرائيلي، أراد أن يخفف من وقع هذه العزلة، ومن تسارع الاعترافات بالدولة الفلسطينية، وعلى إبقاء حظوظه للترشح لرئاسة الحكومة، منعاً من اقتياده إلى المحاكم المحلية على تُهم تأجل الحكم فيها لوجوده رئيساً للوزراء، وعلى إدانته من المحكمة الجنائية الدولية في قيادته لحرب إبادة في قطاع غزة، ولكن مع كل هذا فعلى الدول العربية أن تأخذ أوهامه وأطماعه على محمل الجد ولا تنتظر.