: آخر تحديث

هل سيقضي الذكاء الاصطناعي على مواقع الإنترنت؟

4
3
3

عبدالرحمن الحبيب

في مطلع العام الماضي، بدأ ماثيو برينس بتلقي اتصالات قلق من رؤساء شركات إعلامية كبرى، الذي تُوفّر شركته كلاود فلير بُنية تحتية أمنية لحوالي خُمس الإنترنت، أخبروه أنهم يواجهون تهديدًا إلكترونيًا جديدًا وخطيرًا؛ يتذكر قائلًا: «سألتُ: ماذا، هل هم الكوريون الشماليون؟» «فقالوا: لا، إنه الذكاء الاصطناعي!» (مجلة الإيكونيميست).

ما الذي فعله الذكاء الاصطناعي؟ إنه يُغيّر طريقة تصفح الناس للإنترنت، فبدلاً من الذهاب للمواقع المتخصصة في موضوع البحث، فإن الذكاء الاصطناعي مثل شات جي بي تي يكفيك عناء البحث وبوفر لك الإجابة، مما أدي إلى انخفاض حاد في حركة المرور على مواقع الإنترنت وبالتالي سيتغير استخدام الإعلانات عبر الويب المفتوح إلى شيء مختلف تمامًا، وستنقلب الصفقة الاقتصادية في عمق الإنترنت حيث ستبدأ مواقع الإنترنت بفقدان تدريجي للدخل الأساسي القادم على الإعلانات والاشتراكات.

ماذا تقول الإحصاءات حسب تقرير الإيكونيميست؟ تقول أوبناي (Openai)، الشركة المصنعة لبرنامج الدردشة الآلي، إن حوالي 800 مليون شخص يستخدمون شات جي بي تي وهو التطبيق الأكثر شيوعًا على متجر تطبيقات iPhone؛ كما صرحت Apple أن عمليات البحث التقليدية في متصفح الويب Safari قد انخفضت لأول مرة في أبريل، حيث طرح الناس أسئلتهم على الذكاء الاصطناعي بدلاً من البحث في مواقع النت؛ وتُقدر شركة Similarweb، التي تقيس حركة المرور إلى أكثر من 100 مليون نطاق ويب، أن حركة البحث العالمية انخفضت بنحو 15 في المائة في العام حتى يونيو.

وعلى الرغم من أن بعض الفئات، مثل مواقع الهواة، تعمل بشكل جيد، إلا أن فئات أخرى تضررت بشدة؛ وكان أكثر المواقع تضررًا هي بالتحديد النوع الذي يجيب على استعلامات البحث بشكل شائع، فمثلاً فقدت مواقع العلوم والتعليم 10 في المائة من زوارها، وخسرت مواقع المراجع 15 في المائة، وخسرت مواقع الصحة 31 في المائة.

بالنسبة للشركات التي تبيع الإعلانات أو الاشتراكات، فإن فقدان الزوار يعني مباشرة خسارة في الإيرادات، يقول نيل فوجل، رئيس شركة Dotdash Meredith، التي تمتلك عناوين مثل People وFood الجزيرة Wine: «كانت لدينا علاقة إيجابية للغاية مع جوجل لفترة طويلة... لقد خرقوا الصفقة»؛ فقبل ثلاث سنوات، حصلت مواقعها على أكثر من 60 في المائة من حركة المرور من جوجل، والآن، أصبح الرقم في منتصف الثلاثينيات؛ يقول السيد فوجل: «إنهم يسرقون محتوانا لمنافستنا».

بالمقابل، أصرت جوجل على أن استخدامها لمحتوى الآخرين عادل، ولكن منذ إطلاقها لمعاينات الذكاء الاصطناعي، ارتفعت نسبة عمليات البحث المتعلقة بالأخبار التي لا تؤدي إلى نقرات لاحقة من 56 في المائة إلى 69 في المائة، وفقًا لتقديرات شركة Similarweb؛ فيما تُحذر ويكيبيديا، التي تعتمد على المشاركين مع توثيق المراجع المتخصصة، من أن الملخصات المُولّدة بالذكاء الاصطناعي دون نسب «تعوق وصول الناس إلى الموقع، والمساهمة فيه».

هل ما يقوم به الذكاء الاصطناعي تجاوز لحقوق النشر وسرقة الملكية الفكرية من المواقع الأصلية؟ تُرفع حالياً دعاوى قضائية وتهديدات قانونية تقوم بها كثير من المواقع الإعلامية والمتخصصة في مواضيع كالصحة والأغذية والعلوم ضد الشركات المحركة للإجابات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي مثل أوبناي وشركة بيربلكسيتي، وفي بعض الحالات يتم عقد اتفاقيات وإبرام صفقات لتنسيق طرق الحصول على المعلومات والبيانات من مواقع الإنترنت بحيث تحفظ لها بعض تدفق الزيارات من الناس ومعها الإعلانات، إضافة لبعض الأموال من شركات الذكاء الاصطناعي، بما وصفه روبرت تومسون، الرئيس التنفيذي لشركة نيوز كورب بـ«التودد والمقاضاة».

التودد والمقاضاة مثلما فعلت شركة نيوز كورب، المالكة لصحيفتي وول ستريت جورنال ونيويورك بوست، من بين جهات أخرى، إذ عقدت اتفاقية مع شركة أوبناي؛ بينما اثنتان من شركاتها التابعة تقاضي شركة بيربلكسيتي؛ كما أبرمت صحيفة نيويورك تايمز اتفاقية مع أمازون أثناء مقاضاتها أوبناي، حسب الإيكونيميست، إنما أغلب مواقع الإنترنت التي يبلغ عددها مئات الملايين، صغيرة جدًا بحيث لا يمكنها جذب وتودد أو مقاضاة عمالقة التكنولوجيا.

ثمة تجارب لحل بديل يطلق عليه نظام الدفع على محركات البحث عند برامج زحف الويب (برامج آلية تتصفح الإنترنت وتفهرسها) والذي من شأنه أن يسمح للمواقع بفرض رسوم دخول على برامج الزحف، مما يمكن أصحاب المواقع من التحكم في وصول أدوات الزحف إلى المحتوى وتحقيق الدخل منها من خلال تحديد سعر لكل نطاق، لكن لا تزال هذه التجارب في بداياتها. يتمنى السيد برينس قائلاً: «علينا أن نضع قواعد الطريق.. عالم حيث يحصل البشر على المحتوى مجانًا، بينما تدفع شبكات النت مبالغ باهظة مقابل ذلك».

لكن ليس الذكاء الاصطناعي هو السبب الوحيد الذي قد يقلص مرور الناس لمواقع الإنترنت، فهناك تنامٍ لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي يتصفحها الناس، إضافة لتنامي الاستماع إلى البودكاست، وسبق أن ظهرت توقعات بزوال الويب من قبل شبكات التواصل الاجتماعي، ثم التطبيقات ولم يحدث ذلك، إنما حالياً يبدو أن الذكاء الاصطناعي قد يشكل تهديداً أكبر من سابقيه، وإذا أريد للويب أن يستمر بشكل قريب من شكله الحالي، فسيتعين على المواقع إيجاد طرق جديدة لكسب المال.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد