في السياسة، كما في الحروب، قد تكون النتيجة الأكبر هي غياب النتيجة، هذا ما ظهر بوضوح بعد لقاء الرئيسين الأميركي والروسي في ألاسكا: جلسات مغلقة لثلاث ساعات، وكلمات مقتضبة أمام الإعلام، وصورة رسمية لم تحمل معها أي مخرجات ملموسة. لا وقف لإطلاق النار، ولا اتفاق، ولا حتى جدول زمني لخطوات مقبلة.
على الأرض، استمرت الأزمة دون تغيير جوهري. العمليات العسكرية لا تزال دائرة، والمدن ما زالت تتعرض للهجمات، والمدنيون يواجهون التبعات الإنسانية الأشد ووفق تقديرات دولية، تجاوز عدد الضحايا منذ اندلاع الحرب أكثر من مليون شخص بين قتيل وجريح من الجانبين، فيما خلّفت الحرب آلاف الضحايا المدنيين، بينهم 55 طفلًا قُتلوا في عام 2025.
من الناحية الاقتصادية، تتضح صورة الخسائر على نطاق واسع، أوكرانيا فقدت ما يقارب 30 % من ناتجها المحلي الإجمالي خلال عام واحد، وهو تراجع غير مسبوق منذ استقلالها، روسيا واجهت أيضًا تباطؤًا اقتصاديًا وخسائر بمليارات الدولارات نتيجة انخفاض صادرات الطاقة، أما أوروبا والعالم، فقد تأثروا بموجات التضخم وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وهو ما زاد من الأعباء المعيشية على الشعوب.
العقوبات الاقتصادية شكّلت جزءًا أساسيًا من المشهد، مع فرض عشر حزم متتالية منذ بداية الأزمة، هذه الإجراءات كان لها أثر مباشر على قطاعات المال والطاقة والتجارة، لكنها لم تؤدِ بعد إلى تسوية سياسية توقف النزاع أو تحدد مساره النهائي.
وسط هذا المشهد، جاء موقف المملكة ثابتًا ومختلفًا: الدعوة للحل السلمي بوصفه الخيار الاستراتيجي الوحيد، بيان وزارة الخارجية لم يساوم على المبدأ، بل أرسل رسالة واضحة: لا استقرار يُبنى على صور مؤقتة، ولا سلام يُستولد من المدافع، بل من طاولة تفاوض تضمن السيادة وتوقف نزيف الدم، وفي عالم تتآكل فيه الثقة بين القوى الكبرى، تبدو المملكة من القلائل القادرين على لعب دور الوسيط الموثوق، سواء عبر دبلوماسيتها الاقتصادية أو حضورها الدولي المتنامي.
في عمق الأزمة يظهر المشهد أوضح، ليست الصور ولا البيانات هي ما سيبقى، بل القدرة على كسر دائرة الدم.
المملكة تقرأ الحرب باعتبارها فشلًا ممتدًا، وتقرأ السلام باعتباره استثمارًا في المستقبل. وما لم تُكسر هذه الحلقة عبر تفاوض جاد، فلن يخرج أحد منتصرًا؛ إذ ستظل الحرب خاسرة مهما طالت، وسيبقى السلام وحده هو المكسب الذي لا يزول.