: آخر تحديث

كيف يمكن نزع سلاح حزب الله وهواجسه معاً؟

3
3
3

مشهدٌ معقّدٌ يُلقي بظلاله على لبنان، بعد إعلان الحكومة خطتها ببدء نزع سلاح حزب الله، وتهديد الأمين العام للأخير بخوض معركة "كربلائية"، وصولًا إلى اعتبار حكومة نواف سلام تُنفّذ مشروعًا أميركيًا - إسرائيليًا لنزع سلاح "المقاومة".

ومنذ حرب الإسناد التي دخلها حزب الله بعد هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وقبل التوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النار، أصبح سلاحه في عين عاصفة الانتقادات، بسبب جرّ لبنان إلى حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، ومصادرة القرارات السيادية للدولة اللبنانية. وبعد توقّف الاتفاق، ارتفعت أصوات الانتقادات بشكل أكبر، فسردية حزب الله لحمل السلاح وحماية الحدود انتهت بعدما وافق على سحب قواته وترسانته من منطقة جنوب الليطاني.

ولأن القرار 1701 يتناول في بنوده مقررات اتفاق الطائف التي تنص على بسط الدولة شرعيتها، ومع ابتعاد الحزب عن الاحتكاك المباشر مع إسرائيل، أصبح لزامًا عليه التخلّي عن العمل العسكري. فطوال الأشهر الماضية لم يُطلق أي رصاصة رغم تعرّضه اليومي لعمليات استهداف، حتى إن عملية إطلاق الصواريخ الوحيدة التي جرت منذ أشهر سارع إلى التبرّؤ منها ونفى مسؤوليته عنها. فلماذا إذًا الإصرار على امتلاك السلاح؟

وفي مواجهة موقف الحزب، تبرز آراء متعددة تطالب الجيش اللبناني بالضرب بيدٍ من حديد، دون مراعاة أحد، ومصادرة أسلحة ومقرات حزب الله، وأخرى ترى أنه، ولتفادي مواجهة عسكرية، يجب أن يتم نزع السلاح بشكل تدريجي. فمن جهة، لا يظهر الحزب وكأنه انكسر مرة ثانية بعد هزيمة حرب الإسناد، ومن جهة أخرى، لتبديد هواجسه، خصوصًا على الجبهة الشرقية، نظرًا لإمكانية تعرّض البقاع لهجوم من فصائل متطرفة تتواجد على الحدود اللبنانية – السورية المشتركة.

الآراء المتباينة وتضارب الأفكار والاتهامات المتبادلة لا تصبّ في مصلحة لبنان كدولة. فالسلاح الذي كان موجّهًا ضد إسرائيل، أصبح له، بعد 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024، وظيفة ثانية، وهي حماية الحدود مع سوريا. وفي ظل الحرب الأخيرة التي رسمت خرائط سياسية لعشرات السنوات القادمة، لا بد من تفنيد جدوى وظيفة السلاح ومبررات استمراره.

في الحرب مع إسرائيل، ثبت أن السلاح الذي يمتلكه الحزب فشل في إقامة توازن رعب أو فرض أي معادلة ردع. وزاد الخرق الأمني الذي تعرّض له حزب الله الطين بلّة. وبما أن أغلبية صواريخه قصيرة المدى، يبقى السؤال الكبير: ما الحاجة إليها، وقد أصبح شمال الليطاني مقره؟ ما يعني أن معظمها سيسقط جنوب الليطاني، أي داخل لبنان، في حال قرّر إطلاقها نحو إسرائيل مجددًا. هذا إلى جانب عدم قدرته في المرحلة القادمة على اتخاذ قرار الحرب متى يشاء.

أما على صعيد وظيفة السلاح لحماية المناطق الشرقية، فهنا ستكون اللعبة بالغة الخطورة، ولن تقتصر نارها على الحدود، بل يمكن أن تشعل البلد معها. فمواجهة فصائل مقاتلة طائفية بفصائل طائفية أخرى ستُبرز بشكل فاقع أن الحرب مذهبية، وبالتالي سيبدأ القتال في الشرق وسينتقل إلى مناطق لبنانية عديدة في الداخل، وسيتشظّى لبنان.

ولذلك، وعوضًا عن الاستمرار في رفع الشعارات من جهة، والضغط على الحكومة من جهة ثانية، وكي لا يكون هذا السلاح عبئًا على لبنان بشكل عام، وعلى الطائفة الشيعية – التي دفعت الثمن الأكبر من حرب الإسناد – بشكل خاص، يجب على الحزب المبادرة باتجاه رئيس الجمهورية وقيادة الجيش والحكومة، ووضع خطة سريعة لتسليم السلاح من دون مواجهة أو تهديدات.

وبالمقابل، يُطلب من قيادة الجيش اللبناني نشر فرق النخبة العسكرية في المناطق الحدودية مع سوريا لتبديد الهواجس والمخاوف. وساعتها، إذا ما قرّرت هذه الفصائل على الجانب الآخر من الحدود العبور باتجاه لبنان، يكون الجيش مسؤولًا عن قتالها وحماية المدنيين، الذين، بدون أدنى شك، سيكونون أيضًا إلى جانب جيشهم في حال احتاج إلى جهودهم.

ووفق هذه الاعتبارات، لن يكون بمقدور أحد القول إن المعركة طائفية، فالجيش مؤسسة وطنية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.