: آخر تحديث

عهد سوري: إغلاق قائم وانفتاح مطلوب!

5
5
3

رغم أن فترة شهرين لا تعتبر فترة مناسبة لإصدار أحكام في وصف نظام سياسي، ولا حتى إصدار تقدير في وصفه. فإن الواقع السوري الراهن يدفع كثيرين لوصف العهد السوري الجديد بأنه قليل في تفاعله مع المحيط السياسي بما فيه من قوى وجماعات وشخصيات، ثمة ضرورات كبرى للتفاعل معها.

هذه تعبيرات بدأت مع بداية تحركات «إدارة العمليات» العسكرية لغرفة ردع العدوان في الخروج نحو حلب، وما تبعها من مسارات، انتهت بالوصول إلى دمشق في يوم النصر، حيث تم إسقاط نظام الأسد، وتولي «إدارة العمليات» زمام السلطة في 8-12-2024، ووسط هذا المسار السريع والحساس، لم تتم وفق ما هو معروف أي تواصلات أو مشاورات بين «إدارة العمليات»، والأطراف السياسية والعسكرية بما فيها القريبة منها، وثمة أعذار وظروف، كانت تحيط بمسارات التحرك العسكرية، تبرر ما حدث، وهذا على الأقل ما تم الإعلان عنه تفسيراً، عند إعلان تشكيل الحكومة الأولى للعهد الجديد برئاسة الدكتور محمد البشير رئيس حكومة الإنقاذ في إدلب لتكون حكومة لكل سوريا، وتم تبرير الأمر بأنه تم استناداً إلى تجربة تلك الحكومة ونجاحها في إدارة ملفات، تعاملت معها في الفترة السابقة، وتكرر ذات النهج على نحو عام في تسمية أشخاص من «إدارة العمليات» أو محيطها لتولي مسؤوليات إدارية وتنفيذية في مناصب حكومية كثيرة في الفترة التالية.

ورغم أن تبرير انغلاق «الهيئة» و«إدارة العمليات»، أمر يستحق الاهتمام. فإن الأهم منه في الأسباب هو تجربة العزلة التي عاشتها طوال سنوات «هيئة تحرير الشام» وحكومة الإنقاذ التابعة لها في إدلب عن الجماعات والتنظيمات والشخصيات السياسية، التي كانت تتجنب «الهيئة» وحكومتها باعتبار «الهيئة» جماعة متشددة، وبعد أن أكد المحيطان الإقليمي والدولي عملياً عدم صحة تلك التقديرات من خلال تأييدهما مسار «الهيئة» و«إدارة العمليات» في الوصول إلى دمشق وإسقاط الأسد، فإن «إدارة العمليات» وزعيمها أحمد الشرع لم يشعروا بضرورة انفتاح أو علاقة مع المحيط السياسي والعسكري المحيط والقريب، وهو ما يبرر سلوك الحذر في التعامل مع أطراف سياسية وعسكرية على نحو ما ظهر الأمر في التعامل مع «الائتلاف الوطني» وتابعيه وفصائل الجنوب بقيادة أحمد العودة.

إن الأسباب الثلاثة: القطيعة، والتفرد بإنجاز عملية إسقاط نظام الأسد، وهامشية الأطراف الأخرى، رسمت بصورة مشتركة أسباب هذا الانغلاق، ودفعت الفاعلين فيه ولا سيما الرئيس الشرع من جهة إلى طرح فكرة التعامل الشخصي مع الراغبين، ومن جهة ثانية إلى الذهاب نحو أشكال من التفرد في اتخاذ القرارات، بحيث بدا الرجل صاحب الرؤية والقرار في قضايا مستقبلية مصيرية بالنسبة لسوريا والسوريين، كما في رسم شكل تصور مستقبل الدولة وخياراتهم أو على صعيد السياسات رسم وتنفيذ السياسات الإجرائية، وكل هذا ساهم في إبراز تعبيرات حدة إغلاق العهد الجديد، خاصة بعد ما ظهر من دعم إقليمي ودولي للرئيس أحمد الشرع عقب تسميته رئيساً انتقالياً.

في بلد مدمر بصورة كلية، وشعب مشتت ومفقر، ووسط غياب للإمكانات، لا يمكن إنقاذ سوريا من الحفرة، وبديهي أنه لا يمكن إعادة إعمارها، وتطبيع حياة سكانها ولو بعد سنوات، بل إن من الصعب في حالة الإغلاق، أن تتقدم قوى إقليمية ودولية للمساهمة العملية في إعادة الإعمار، باستثناء أن الإغلاق سيقود إلى الديكتاتورية، وأعتقد أنه ليست هناك حاجة للإشارة إلى أمثلة قريبة أو بعيدة من تجارب حدثت.

إن التحديات والفرص أمام العهد السوري الجديد، تضعه أمام ضرورة انفتاح داخلي جدي، يوازي ويتوازن مع مسار انفتاحه الخارجي الذي يعطيه حقاً اهتماماً وجهداً كبيرين، ينبغي أن ينال الانفتاح الداخلي مثلهما، إن لم نقل أكثر، لأنه حساس ومتعدد ومعقد وفيه تراكمات واحتمالات تفجير. إضافة إلى أن إرضاء الخارج بما فيه من الدول والحكومات أسهل بكثير من إرضاء الشعوب، لأن حاجات الأولى كلية فيما حاجات الأخيرة تفصيلية، وهي بيضة القبان في رسم قيمة النظام الحاكم وقوة حمايته والدفاع عنه، ودروسنا قبل دروس الآخرين، ما زالت تحت عيوننا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد