أفضى تدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصياً في الجهود الرامية إلى وقف النار في غزة وإنجاز صفقة لتبادل الأسرى على مراحل، إلى وصول إسرائيل و"حماس" إلى سد نسبة 90 في المئة من الثغرات بين الجانين، وتالياً بعث الآمال مجدداً باحتمال التوصل إلى اتفاق قبل تسلم ترامب مهامه في 20 كانون الثاني/يناير. لا شك أن زيارة مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، لقطر وإسرائيل كانت عاملاً حاسماً في إعطاء الزخم لاتفاق وقف النار، بعدما أخفقت جهود مماثلة بذلتها إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن في الأشهر الأخيرة، من دون أن تفلح في التوصل إلى نتائج إيجابية. بدخول ترامب على الخط، بات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في زاوية ضيقة. فإذا كان يريد استعادة ما تبقى من الأسرى أحياء، فلن يستطيع أن يراوغ مثلما راوغ أمام بايدن، وإذا كان يريد مواصلة الحرب، فإنه يخاطر بمقتل من بقي من هؤلاء على قيد الحياة. يريد ترامب المفاخرة، بأنه كانت له اليد العليا في الصفقة، وعليه أرسل ويتكوف إلى المنطقة قبل أن يعود رسمياً إلى البيت الأبيض، ممارساً بذلك رئاسة مبكرة، على غير ما اعتاد عليه الرؤساء المنتخبون الذين ما كانوا يباشرون مهامهم إلا بعد أداء القسم والدخول رسمياً إلى البيت الأبيض. وبعد أزمة الرهائن الأميركيين في السفارة الأميركية بطهران عام 1980 والتي انتهت بعد 444 يوماً، كانت إدارة الرئيس الراحل جيمي كارتر هي التي تتولى التفاوض على رغم هزيمة الديموقراطيين في الانتخابات الرئاسية عام 1981، لكن إطلاق الرهائن لم يبدأ إلا بعد دخول الجمهوري رونالد ريغان إلى البيت الأبيض في 1982، لأن النظام الإيراني أراد أن يعاقب كارتر بسبب محاولته استخدام القوة لإنقاذ الرهائن. ومن المؤكد أن نتنياهو تعمد تأخير موافقته على اتفاق وقف النار في غزة بانتظار تدخل ترامب شخصياً، في الوقت الذي لا يريد منح إدارة بايدن حق أن تعزو إلى نفسها الفضل في التوصل إلى الاتفاق. وحتى بالنسبة لوزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتامار بن غفير ووزير المال بتسلئيل سموتريتش، فقد خفتت معارضتهما لاحتمال التوصل إلى اتفاق في غزة في الأيام الأخيرة، بينما كانا في الماضي يسارعان إلى التهديد بإسقاط الحكومة في حال الذهاب إلى أي اتفاق مع "حماس". وهذا دليل آخر، على أن بن غفير وسموتريتش كانا يتحركان بإيعاز من نتنياهو، الذي كان يستخدمهما في وجه بايدن، كي يبرر رفضه التوصل إلى هدنة في غزة. وطبيعي أن نتنياهو لا يفعل شيئاً مجاناً، وسيكون قادراً على الحصول من ترامب على مزيد من الدعم في قضايا أخرى. وعلى سبيل المثال هناك مسألة البرنامج النووي الإيراني. ماذا لو كان نتنياهو قايض ترامب على مشاركة إسرائيل في توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، في مقابل هدنة غزة. يبقى ذلك احتمالاً قائماً لا بد أن ينجلي في الأسابيع والأشهر المقبلة. يضاف إلى ذلك، أن جني الثمن على جبهات أخرى غير مستبعد. ماذا لو وافق ترامب على ما يظهر من مماطلة إسرائيلية في انجاز الانسحاب الكامل من لبنان بحلول 27 كانون الثاني الجاري؟ وماذا لو حصل نتنياهو من ترامب على وعد بتأييده ضم الضفة الغربية أو معظمها، وعدم الحديث عن مسار سياسي للفلسطينيين في المدى المنظور؟ ترامب يريد أن يظهر بمظهر القائد القادر على الوفاء بوعوده. واتفاق غزة وصورة أول أسير إسرائيلي يخرج من غزة فور دخوله البيت الأبيض، تعزز دوره في نزاعات أخرى، وأولها أوكرانيا.
علام حصل نتنياهو ليهدي غزة لترامب؟
مواضيع ذات صلة