: آخر تحديث

العاقل..!

7
6
6

يعتبر كتاب «العاقل Sapiens» للفيلسوف والمؤرخ الإسرائيلي، المعادي للصهيونية، يوفال نوح هراري من أكثر الكتب العلمية مبيعاً في التاريخ، حيث تجاوزت مبيعاته 25 مليون نسخة، وترجم لأكثر من 60 لغة منذ أن نشر عام 2011، وتصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في العديد من البلدان، بما في ذلك قائمة نيويورك تايمز لأكثر الكتب رواجاً، ونال شهادات من شخصيات سياسية وعلمية عديدة، حتى نسخته العربية أصبحت من الكتب الأكثر قراءة في العالم العربي، وهذه من المعجزات في عالمنا.

أسهم في نجاح الكتاب شموله في ما يتعلق بالتاريخ البشري غير المعروف، وأين وكيف كانت بداية الجنس البشري الحالي، وكل ذلك بأسلوب شامل ومبسط وجذاب، لكتاب علمي، حيث وضع الكاتب خبراته العلمية والاقتصادية والفلسفية والتاريخية بين دفتيه، وكان موضوعاً لعشرات المحاضرات ومئات المقالات والمناقشات، وكان المؤلف، خلال كل تلك الفترة، ضيفاً على أفضل البرامج واللقاءات التلفزيونية العالمية.

يستعرض الكتاب تاريخ البشرية منذ نشأتها وحتى العصر الحديث، مركزاً على كيفية تطور الإنسان العاقل (Homo sapiens) ليصبح الكائن المهيمن على كوكب الأرض. يقدم الكتاب تحليلاً شاملاً للجوانب البيولوجية، الثقافية، الاجتماعية، والاقتصادية التي شكّلت تاريخ البشرية، مع المرور على الثورات الثلاث الكبرى، الثورة الإدراكية، التي بدأت قبل 70 ألف سنة مضت، عندما اكتسب الإنسان العاقل قدرات عقلية ولغوية فريدة، ساعدته على التعاون الجماعي ورواية القصص والأساطير. ثم تبعتها الثورة الزراعية، التي بدأت قبل 10 آلاف سنة مضت، والتي انتقل فيها الإنسان من حياة الصيد والجمع والتقاط طعامه إلى الزراعة، وما ترتب عليها من تغييرات اقتصادية واجتماعية. ثم ثالثاً الثورة العلمية، التي بدأت قبل 500 سنة، مع استخدام البشر للمنهج العلمي لفهم العالم والسيطرة عليه، مما أدى إلى تطورات هائلة في التكنولوجيا والمعرفة. يرى هراري في كتابة أن أحد أعظم إنجازات الإنسان العاقل هو قدرته على تخيل أمور غير موجودة في الواقع، مثل العقيدة، الدولة، النقود الورقية، والقوانين، وهذا سهل له وساعده في بناء مجتمعات كبيرة ومعقدة.

كما يناقش الكتاب النظام الاقتصادي والسياسي، وكيف أسهمت الأنظمة، مثل الرأسمالية والإمبراطوريات، في تشكيل العالم الحديث. والثمن الذي دفعه الإنسان ودفعته الطبيعة نتيجة تأثير الثورة الزراعية والصناعية على البشر، وخلق فجوة بين السعادة البشرية والتقدم التكنولوجي، وأثر النشاط البشري في البيئة. ويطرح المؤلف العديد من الأسئلة الفلسفية حول ما إذا كان التقدم البشري قد جعل البشر أكثر سعادة، ويفتح النقاش حول المعنى الحقيقي للسعادة والرفاهية.

يتبع المؤلف أسلوباً سلساً ومبسطاً في كتابه، يجعل المفاهيم المعقدة متاحة للجميع، مازجاً بين التاريخ، الأنثروبولوجيا، الفلسفة، والعلوم لتقديم رؤية شاملة عن تاريخ الإنسان العاقل، الذي انتصر على غيره من البشر الذين سبقوه، إما بعقله أو بعضلاته.

بالرغم من أهمية الكتاب فإنه لم يسلم من النقد من بعض المؤرخين الذين اعتبروا الكتاب تبسيطاً مبالغاً للتاريخ، والتركيز غير الضروري على بعض الجوانب السلبية منه، وحتى التحيز، في بعض الأحيان. لكنه يبقى كتاباً مشوقاً في تناول مادة التاريخ، التي لا يميل الكثيرون لها. كما نجح الكاتب من خلاله في طرح أسئلة فلسفية عميقة، مما يجعله كتاباً يستحق القراءة من قبل من يهتم بفهم كيف وصل الإنسان إلى ما هو عليه اليوم.

* * *

نتقدم للصديق الأستاذ محمد ناجيا، وأسرته، بخالص العزاء بوفاة رفيقة دربه سلوى طهبوب.

لها الرحمة ولهم الصبر من بعدها.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد