عبده الأسمري
حوَّل «الإذاعة» إلى ميدان للبراعة، رتَّب فيه مواعيد «التفوق» على أسوار «البدايات»، فكان الابن البار للإعلام، والمهني المغوار في المهام التي ارتبطت باسمه، واكتملت «بدراً» في حضوره وتكاملت «قدراً» في تاريخه.
آوى إلى التلفزيون كركن «شديد» نظَّم فيه «المهمات» وسطَّر وسطه «الهمم»، ووزع عبر شاشاته «فصل الخطاب» بطَلَّةٍ زاهية ترددت في أصداء «الذاكرة»، متجاوزة فرضيات «المراحل» ومتجهة إلى حيث «الاستدامة» المشرقة في قوائم «الكبار».
قطع «مفازات» العلا بروح توَّاقة إلى «الأثر»، فكان الشاهد على الأولويات والصامد أمام التحولات والمتوج على «منصات» التأسيس والواقف على خط «النهايات»، محتفياً بالمقتفين لأثره العامر بالضياء.
إنه وكيل وزارة الإعلام السابق الدكتور علي النجعي، أحد أبرز الإعلاميين السعوديين والخليجين والمؤسسين للعمل الإذاعي.
بوجه جازاني «الملامح» وطني «المطامح» تكسوه علامات «الوقار» وتقاسيم «جنوبية» تسكنها سمات «الرضا» وصفات «التروي»، وعينين تسطعان بنظرات «الثبات»، وأناقة تعتمر التشكيل الوطني الفريد وشخصية مزيجة من طيب التعامل وأناقة القول ولباقة اللفظ وجميل الصوت ونبيل التواصل، وصوت جهوري ذي لكنة فريدة تصدح بعبارات ثقافية واعتبارات إعلامية ومفردات راسخة «المعنى»، وكلمات تنبع من «حنجرة» فخمة تتجلى منها نشرات «الأخبار» ونبرات «التقارير» وملخصات «الأنباء» وتفاصيل الأحداث، وكاريزما إعلامية مقرونة بذكاء الحوار ودهاء النقاش ورقي القول وثقافة الذات.
قضى النجعي من عمره عقوداً وهو يؤسس أركان الإذاعة ويرسخ خطط التلفزيون، ويؤصل للمذيعين «منهجية التقديم» ويعلِّم المعدين «مهنية الإعداد»، ويرسم للإعلام «خرائط» التطوير مسؤولاً وقيادياً وإعلامياً ومذيعاً برز بأسبقية «التمكن»، وتفوق بأحقية» التمكين» وحصد ثمار «المكانة» بوقائع «الخبرة» وحقائق «المسيرة».
في منطقة جازان الحالمة الشهيرة بزف العلماء والإعلاميين إلى أعراس «المسؤولية» ولد في هجرة «النصب» قرب قرية «مشلحة» المكتظة بأنفاس «الطيبين» ونفائس «الأولين» في عام 1360 هـ وسط نهار ربيعي، وتناقل جيران المكان «القدوم» المبارك بالحفاوة والاحتفاء لينضم إلى «أسرة» النجعي التي ورثت العلوم وتوارثت المعارف. وانطلقت في أرجاء القرى المتجاورة في الأماكن والمتلاحمة في العواطف الأهازيج «الجيزانية» والرقصات الشعبية في ليالي تلحَّفت بالفرح وتوسمت بالبهجة.
تجرَّع النجعي «مرارة» اليُتم المبكر، فوجد أعمامه «النبلاء» الذين سدوا «فراغ» الفقد وقاموا مقام «الأب»، فعاش في «كنف» رعاية أسرية قدمت له «سخاء» التعويض؛ فامتلأ عقله بموجبات «التفكير» وواجبات «التدبير»، وظل يرسم مشاهد «البر» الباكر في شواهد «العرفان» اللاحق الذي قدمه في محطات حافلة بحفظ «المعروف» وتقدير «الجميل».
ركض النجعي بين سهول بلدته متلحفاً الندى الذي لامس جسده «الغض»، وتعتقت نفسه عبير «الفل» الجازاني وتشربت روحه أثير «الكادي» الصبياني، وأطلق ساقيه بين الحقول الخضراء قاطعاً «مسافات» الزمن وواقفاً على «عتبات» المكان؛ ليرعي الغنم صباحاً ويحرث الأرض مساءً مكملاً نهاراته بمراقبة «الغروب» الذي كان بمثابة «الفصل الأخير» ليوم حافل بالكدح، و»فاصلة زمنية» لنهار قادم موشح بالكفاح.
اقتنص «النجعي» استيفاءات النبل في سحن «البسطاء» من أبناء عشيرته، وومضات الفضل في عون «الفضلاء» من وجهاء قبيلته، وظل يراقب تفاصيل التوكل في نداءات العابرين على دروب «الرزق»، ويرتقب مواويل الاتكال في صيحات السائرين إلى شواطئ الصيد، فترسخت في ذهنه «مراسم» الاقتداء و»مواسم» العطاء في بيئة عايشت «التوازن» وصنعت «التكافل» وسخرت «القيم».
أنصت النجعي لمرويات خالدة محفوظة في «صدور» الحكماء، ومضى يتشرب دروساً من تاريخ العلماء فاستعمرت ذهنه «دوافع» طلب العلم، تزامن ذلك مع حضور الشيخ عبدالله القرعاوي لبلدته واختياره له ليتعلم القراءة والكتابة في مدارس محافظة «بيش»، وانتظم في «الكتاتيب» وتعلم فيها لمدة عامين.
أحبَّ العلوم والمعرفة واستمر يقطف «حصاد» الدراسة ليكمل تعليمه في المعهد العلمي في محافظة صامطة، وأكمل دراسته وشد «الرحال» إلى الرياض ليلتحق بالمعهد العلمي في شهر محرم 1380هـ.
وفي تقاطع ثلاثي ما بين التفوق والحظ والتخطيط، اختاره فضيلة الشيخ «عبد العزيز المسند» عام 1384هـ ضمن سبعة طلاب للعمل في «إذاعة الرياض» الجديدة.
ونظراً لتميزه في الإعداد والتقديم الإذاعي وتمتعه بأناقة فطرية ولباقة لفظية ومهارة في العمل وجدارة في الأداء تجلت معالم «السمعة» الأولى التي أقيمت على «أسس» راسية من النتائج.
توسعت دائرة علاقاته ومعارفه بحكم عمله في الإذاعة وكانت أثمن هداياها علاقته وتواصله مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وغيرهم.
قدم النجعي الكثير من الأفكار المتميزة خلال عمله الإذاعي، ومن أهمها فكرة تسجيل الأذان في الإذاعة بصوت الشيخ عبد العزيز بن ماجد.
أكمل النجعي دراسته وسافر إلى بيروت لحضور دورة تدريبية متقدمة في الإذاعة وعاد وعمل كمذيع مساعد في الإذاعة، ثم سافر إلى أمريكا لتحضير درجة الماجستير ثم ارتبط بالعمل في الإذاعة، وشغل وظيفة مدير عام مساعد للبرامج في التلفزيون لمدة عام ونصف، ثم ابتعثته الدولة لإكمال دراسته في أمريكا ومكث أربع سنوات وحصل على درجة الدكتوراة في الإنتاج الإذاعي، وعاد ليكمل مشوار العطاء في مجال العلمي والإعلامي.
أسهم النجعي مع آخرين من القامات الإعلامية في تأسيس الإذاعة السعودية، وساهم في تأسيس (القناة السعودية الثانية) بعد اختياره لهذه المهمة من وزير الإعلام السابق علي الشاعر وعُيِّن مديرًا عامًا لها، وتميز في أعماله وتدرج في مناصبه حتى تم تعيينه في منصب «وكيل وزارة الإعلام لشؤون التلفزيون».
ألَّف النجعي عدداً من الكتب ومنها: «الإعلام.. مفاهيم» و»القوة الثالثة» و»الاتصالات السعودية في عهدها الأول».
كان للنجعي مساهمات كبيرة في التلفزيون وتولى منصب وكيل الوزارة في فترات مهمة جداً شهدت العديد من «الأحداث» وظل خلالها رقماً صعباً في منظومة العمل التلفزيوني، وقد رافق عدداً من الملوك والأمراء والوزراء في رحلات خارجية، وصور العديد من اللقاءات المتلفزة مع شخصيات مهمة جداً على المستوى الخليجي والعربي والدولي، وكانت له بصماته «الجلية» في التطوير والتدريب والتأهيل لعدد من كبار المذيعين والقياديين الذين تخرجوا من «مدرسته» الفريدة في الابتكار والاقتدار.
قضى النجعي 40 عاماً في ميدان الإعلام، ركض فيها بفروسية المكافح وفراسة المتخصص وسجل فيها «منجزات» نوعية على مستويات التخطيط والتنفيذ، ومارس فيها العمل من عمق «الاختصاص» إلى أفق «الريادة» وظل خلالها نجماً ساطعاً في سماء «الحرفة» واسماً لامعاً في اتجاهات «الاحتراف».
علي النجعي.. الإعلامي المبدع والمذيع اللامع والقيادي البارز، صاحب العطاءات الفاخرة بالإنتاج والإمضاءات الزاخرة بالإنجاز.