إيلاف من واشنطن: مع اقتراب موعد تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب مهامه في هذا الشهر كانون الثاني (يناير)، بدأت شركة "ميتا" بقيادة مارك زوكربيرغ في إعادة تشكيل سياساتها بما يتناسب مع الواقع السياسي الجديد. وجاءت هذه التحركات عقب لقاء خاص جمع زوكربيرغ مع ترامب في مار-آ-لاغو خلال عطلة عيد الشكر. هناك، بدأ زوكربيرغ صياغة رؤيته الجديدة لإدارة محتوى المنصات التي تشرف عليها شركته، بما في ذلك "فيسبوك"، "إنستغرام"، و"واتساب".
نهج جديد وخطط عاجلة
في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، استعان زوكربيرغ بفريق محدود من كبار المسؤولين التنفيذيين في مجال السياسات والاتصالات، موكلاً لهم مهمة وضع خطة سريعة لإحداث تغييرات جوهرية خلال ستة أسابيع فقط. في اجتماعات "زووم" ومكالمات هاتفية مكثفة استمرت حتى ساعات متأخرة من الليل، وضع الفريق الأسس لتعديلات تشمل تخفيف القيود على الخطاب حول قضايا حساسة مثل الهجرة والجنس.
كان الإعلان عن هذه التغييرات في رأس السنة الجديدة مفاجئًا حتى لموظفي الشركة، حيث علم معظمهم بخطط زوكربيرغ من وسائل الإعلام. وأعلنت "ميتا" وقف برنامج التحقق من الحقائق الذي كان يهدف إلى الحد من انتشار المعلومات المضللة، مع الاعتماد على المستخدمين أنفسهم لمراقبة الأكاذيب. كما تقرر تخفيف القيود على النقاشات السياسية في خلاصات الأخبار، مما يشكل تحولًا جذريًا في استراتيجية الشركة.
انقسام داخلي واستياء خارجي
أثارت القرارات الجديدة ردود فعل متباينة. في الوقت الذي لاقت فيه التغييرات استحسانًا لدى ترامب والمحافظين، وصفها الرئيس جو بايدن بأنها "مخزية". كما عبرت مجموعات التحقق من الحقائق ومنظمات حقوقية عن مخاوفها من أن تؤدي هذه السياسات إلى زيادة المضايقات على الإنترنت.
داخل "ميتا"، انقسم الموظفون بين من يرحب بالتحولات الجديدة ومن ينتقدها بشدة. على لوحات الرسائل الداخلية، عبّر بعض العاملين عن خجلهم من الانتماء للشركة، بينما أعلن آخرون نيتهم البحث عن وظائف جديدة. وفي خطوة أثارت جدلًا إضافيًا، ألغت "ميتا" برامج التنوع والإدماج، بما في ذلك منصب كبير مسؤولي التنوع، وتوقفت عن تحديد أهداف توظيف النساء والأقليات.
توجهات زوكربيرغ: بين السياسة والأعمال
بحسب مصادر مطلعة، تعكس هذه التحولات رؤية زوكربيرغ الشخصية، الذي شعر بضغط من الإدارة التقدمية في واشنطن ومن داخل "وادي السيليكون". وبحث زوكربيرغ عن توازن جديد يعيد صياغة سياسات "ميتا" بما يتماشى مع صعود المحافظين، دون أن يخفي استياءه من الرقابة التقدمية التي رأى أنها تقيد حرية التعبير.
في مقابلة مع جو روجان، أشار زوكربيرغ إلى أن الوقت قد حان للعودة إلى مهمة "ميتا" الأصلية: تمكين الناس من التعبير والمشاركة بحرية. وقال: "شعرت بالضغط من إدارة بايدن ووسائل الإعلام لفرض رقابة على محتوى معين، لكنني الآن أتمتع بوضوح أكبر بشأن ما أريده لسياسة الشركة".
تحولات عميقة في السياسات
من بين التعديلات التي أجرتها "ميتا" على سياساتها:
- تغيير تعريف "خطاب الكراهية" ليصبح "سلوكًا بغيضًا"، مع تقليص دور الشركة في مراقبة المحتوى.
- السماح بنشر عبارات تعبر عن الكراهية ضد أعراق أو ديانات أو توجهات جنسية معينة، بدعوى تعزيز النقاش السياسي.
- رفع الحظر عن بعض الادعاءات المثيرة للجدل، مثل اتهام أعراق محددة بنشر فيروس كورونا.
جدل داخلي وإجراءات مثيرة للجدل
داخل "ميتا"، أثار الإعلان عن هذه التعديلات استياءً بين بعض الموظفين الذين رأوا أنها تمثل تراجعًا عن قيم الشمولية والإنصاف. ووفقًا لتقارير، قام بعض المديرين بإغلاق الوصول إلى السياسات الجديدة داخليًا لمنع الموظفين من التعليق عليها. وفي يوم الإعلان، أبلغت إدارة الشركة مديري المرافق بإزالة السدادات القطنية من حمامات الرجال، وهي خطوة أثارت انتقادات إضافية من مجتمع المتحولين جنسيًا.
كما أعلنت "ميتا" عن إزالة السمات الخاصة بالمتحولين جنسيًا وغير الثنائيين من تطبيق "ماسنجر"، مما أضاف إلى حالة الجدل.
زوكربيرغ يتقدم الصفوف
لضمان تنفيذ رؤيته، عين زوكربيرغ جويل كابلان، أحد أبرز المسؤولين التنفيذيين المرتبطين بالحزب الجمهوري، رئيسًا للسياسات العامة العالمية. وشارك كابلان بنشاط في صياغة التغييرات الجديدة، مع التركيز على تعميق العلاقات مع إدارة ترامب القادمة.
وفي خطوة لطمأنة المحافظين، أجرى كابلان اتصالات مباشرة مع شخصيات بارزة على وسائل التواصل الاجتماعي قبل إعلان السياسات الجديدة، مما عزز صورة "ميتا" كحليف محتمل لإدارة ترامب.
نهاية عهد أم بداية جديدة؟
تواجه "ميتا" تحديات هائلة في ظل هذه التحولات، حيث باتت الشركة في قلب الجدل السياسي والثقافي في الولايات المتحدة. ومع تزايد الاستقالات والانتقادات من داخل الشركة وخارجها، يظل السؤال الأكبر هو ما إذا كانت رؤية زوكربيرغ ستنجح في إعادة صياغة صورة "ميتا" أم أنها ستؤدي إلى المزيد من التراجع والثقة المفقودة.
*أعدت إيلاف هذا التقرير عن صحيفة "نيويورك تايمز":المصدر