قرابة ربع مليون طالب وطالبة شاركوا في مسابقة المعرفة الإحصائية، بخطوة ريادية وشراكة مثمرة أطلقتها الهيئة العامة للإحصاء مع وزارة التعليم.. 16 إدارة تعليم شهدت تنافسا مثيرا بالأرقام بين منطقة الرياض بنسبة 21٪، ومنطقة الطائف بنسبة 17.5٪، تلتهم المنطقة الشرقية 17.1٪، ثم منطقة مكة المكرمة 9.1٪، و8٪ لمنطقة القصيم. توقيت المسابقة بحد ذاته كان موفقا حيث أجريت في نهاية عام 2024 لتكون حافزا أمام مسؤولي التعليم والمجتمع لامتلاك مؤشرات حقيقية لقياس الوعي الإحصائي لدى طلبتنا الذين هم عماد تحقيق رؤيتنا، فإن تهيئتهم وتدريبهم منذ مراحل عمرية مبكرة للتعاطي مع الأرقام وتفسير دلالاتها أمر تنموي وتفوق معرفي نعتز به.
إن أهداف هذه المبادرة لا تقف فقط عند التعرف على البيانات وكيفية الوصول إليها، بل تهدف أيضا إلى تمكين الطلبة من المهارات العلمية العليا كالبحث، القياس، الفهم، والتحليل. اللافت أن مدة المسابقة كانت عشرة أيام وقد شهدت تفاعلا رائعا ومبشرا بجيل جاد وشغوف بالعلم. كما ساهمت بتمكين الطلبة من البحث عن الإجابات من خلال موقع الهيئة ليعتاد الطلبة على الرجوع للمصادر الصحيحة للبيانات، أتصور أن هذا الجيل الذي اختار المشاركة سيكون محركا حقيقيا في السنوات القادمة ليس فقط في الجانب المعرفي لكن سيكون لديهم القدرة الكافية لفهم ضرورة المشاركة الواعية في الاستبيانات التي يتم طلبها للأغراض البحثية، فلا أحد يغفل أن من أبرز التحديات التي تواجه العمليات الإحصائية هو العزوف القصدي من عينات البحث عن الإجابة.
ما بين جمع البيانات وتنظيمها وتحليلها وتفسيرها رحلة معرفية شيقة، وسواء كانت هذه البيانات اقتصادية أو صحية أو سكانية فإن الإلمام بالفهم من سن مبكرة نقلة نوعية في التعليم. ولو عدنا لقراءة الفكر الإحصائي عبر التاريخ الإنساني لوجدنا أن الإحصاء نمط حياة أكثر من كونه مجرد أداة مادية تسرد الأرقام دون معنى، وكلما زادت الاحتمالات زادت الفرص. بل عالج هذا العلم فكرة الاتجاهات العامة كمفهوم "الرجل المتوسط" الذي ظهر في القرن التاسع عشر للعالم البلجيكي أدولف كويتيليه حيث كان أول من درس كيفية فهم الخصائص العامة للمجتمعات بدلا من دراسة كل فرد على حدة. وقد استفادت بالفعل العلوم الإنسانية والاجتماعية من هذا الفكر وتطورت اليوم أدوات قياس الأثر الاجتماعي مع التقنيات والأدوات الحديثة.
أخيرا، فإن التمكين المعرفي الذي نراه في هذا النوع من المبادرات المعرفية هو ما نحتاجه، فالقدرة على اتخاذ القرارات الفردية والاجتماعية لا تأتي إلا من خلال أساس توعوي جاد يشترك فيه الجميع.. دمتم بخير.