أطل العام 2025 ببشائره الكبرى للشعبين الجارين الشقيقين السوري واللبناني، بعد عقود مريرة من الدمار والمعاناة، والتهجير الداخلي والخارجي، بسبب انتهازيّة قسم كبير من النخبة السياسيّة في البلدين وربط سيادة بلديهما ومقدراتهما بالمصالح الخارجيّة. وها هي سورية الجديدة تحرّرت وتبحث في واقع ومصالح السياسة غير معنيّة برفع الشعارات وإن حافظت على نهجها هذا فلديها الشعب السوري الثري القدرات الغني المواهب، وهو الذي لا يريد من حكومته والعالم معها سوى الأمن وحريّة العلم، والعمل وسيُدهش الدنيا.
أمّا الحدث الأبرز على المشهد السياسي العربي والإقليمي فهو انتخاب البرلمان اللبناني في جلسة مثيرة عُقدت على دورتين قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف خليل عون لتولي منصب رئيس البلاد بعد شغور رئاسي استمر لأكثر من عامين. وهي مرحلة جديدة في تاريخ لبنان يمكن أن نضع له عنوان "الاستقلال اللبناني الثالث" من هيمنة الملالي ووكلائهم، بعد استقلاله الثاني عن سيطرة نظام الأسد عام 2005 والاستقلال الأول عن سلطة الانتداب الفرنسي عام 1943.
وما إن أقسم الرئيس المنتخب جوزيف عون حتى أعلن في خطاب الفوز -كقائد أعلى للقوات المسلحة وكرئيس للمجلس الأعلى للدفاع- أنّه سيعمل على" تأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح" في نبرة حاسمة حازمة كرّرها عون في خطابه مرتين. وهو بذلك يصرّح تحديدًا بهزيمة حزب الله سياسيًا، بعد هزيمته المدويّة عسكريًا. واللافت في خطاب الرئيس الجديد عون إرساله إشارات مهمة تؤكد عودة لبنان إلى حضنه العربي متعهدًا بإقامة "أفضل العلاقات مع الدول العربيّة انطلاقًا من أن لبنان عربي الانتماء والهويّة" والتزم عون في خطابه بإقامة "شراكات استراتيجيّة مع دول المشرق والخليج العربي وشمال إفريقيا" و"منع أي تآمر على أنظمتها وسيادتها"، معزّزا توجّهه بقوله: "لن نصدّر للدول إلّا أفضل المنتجات، والصناعات، ونستقطب السيّاح".
وعلى إثر إعلان فوز الرئيس اللبناني الجديد، وبعد شرحه لسياسات عهده استبشرت المناخات السياسيّة في الداخل والخارج، وخرج تحالف تيّار "الممانعة" بين مؤيّد على خجل، أو متبرّم يغمغم ويتّهم، بعد أن تمتّع طويلا بتبادل الأدوار، وارتهان مصير لبنان لقوى إقليميّة تستخدم لبنان أوراق تفاوض ضد مصالح الشعب اللبناني وبعيدًا عن انتمائه العربي.
إنّ تحالف تيّار الممانعة اليوم أمام التاريخ، والشعب اللبناني، في محنة واختبار لتحديد هوى سفينته التائهة وهل سيكون "لبنان أولًا" عنده. وهذا سيتبيّن من مواقف بقايا السياسيّين في حزب الله المحور الرئيس في هذا التحالف، وهو ذات الحال عند شباب حركة أمل الحليف السياسي لحزب الله في تحالف الممانعة. أما التيّار الوطني الحر الذي أسّسه الرئيس السابق ميشال عون ويقوده حاليًا جبران باسيل (صهر ميشال عون)، حليف حزب الله فمَا زال منشغلًا بحساب المكاسب والفرص، في حين يأتي الحزب السوري القومي الاجتماعي (الضعيف شعبيًا) والمتحالف مع "التيّار" حائرًا مذهولًا بين سورية الجديدة التي لا ترحّب به وبقايا طموحاته التي بناها في ظلال قُوَى خرجت توًا من معادلة التأثير.
-
قال ومضى:
وحدها الغربان الحمقى.. تهدم عشّها لتُثبت أنها حرّة.