إيلاف من بيروت: قال مسؤولون أميركيون وعرب ودبلوماسيون ومحللون إن إسرائيل تدخل في مخاطرة تنطوي على مواجهة مسلحة ودموية طويلة الأمد إذا ألحقت الهزيمة بحماس واحتلت غزة من دون خطة ذات صدقية للانسحاب والمضي قدمًا نحو إقامة دولة فلسطينية بعد الحرب.
وبحسب موقع "فرانس 24"، الأفكار التي طرحتها إسرائيل والولايات المتحدة ودول عربية حتى الآن لإدارة مرحلة ما بعد الحرب في غزة لم تحظ بتأييد واسع، وهذا يثير المخاوف من أن ينزلق الجيش الإسرائيلي إلى عملية أمنية طويلة الأمد. ويرى مسؤولون في واشنطن وعواصم عربية أن إسرائيل "تتجاهل الدروس المستفادة من الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان عندما تلت الانتصارات العسكرية السريعة عمليات عنف مسلحة لسنوات طويلة"، فيما يقول دبلوماسيون ومسؤولون إن إطاحة الحكومة التي تديرها حماس في غزة قد تؤدي إلى مزيد من التطرف، ما يغذي انتفاضة تستهدف القوات الإسرائيلية في شوارع القطاع الضيقة.
إسرائيل مخطئة
ترى دول عربية وحلفاء لها في الغرب أن السلطة الفلسطينية "مرشح طبيعي للعب دور أكبر في قطاع غزة، لكن صدقية السلطة التي تديرها فتح بزعامة الرئيس محمود عباس تضررت كثيرًا بسبب خسارتها السيطرة على غزة لصالح حماس في عام 2007، وبسبب فشلها في وقف انتشار المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، إضافة إلى اتهامها بالفساد وعدم الكفاءة"، فيما يرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي يجب ألا تتولى المسؤولية في غزة، "فالجيش الإسرائيلي هو القوة الوحيدة القادرة على القضاء على حماس وضمان عدم عودة الإرهاب". ويصر مسؤولون إسرائيليون بعد تصريحات نتنياهو على أن إسرائيل لا تنوي احتلال قطاع غزة.
يقول محمد دحلان، الذي كان المسؤول الأمني عن غزة حتى فقدت السلطة الفلسطينية السيطرة على القطاع واقترح اسمه لتولي حكومة ما بعد الحرب هناك: "إسرائيل مخطئة إذا اعتقدت أن تشديد سيطرتها على القطاع سينهي الصراع"، مضيفًا من مكتبه في أبوظبي حيث يعيش: "إسرائيل قوة احتلال، وسيتعامل معها الشعب الفلسطيني على أنها قوة احتلال، وقادة حماس ومقاتلوها لن يستسلموا، وسيفضلون تفجير أنفسهم على الاستسلام"، مؤكدًا أن أحدًا، ولا حتى هو نفسه، يرغب في تولي حكم منطقة محطمة ومدمرة من دون مسار سياسي واضح، وداعيًا إسرائيل إلى وقف الحرب والبدء في محادثات جدية بشأن حل الدولتين.
إلى ذلك، يقول موقع "فرانس 24" إن مسؤولين أميركيين طلبا عدم ذكر اسميهم صرحا أن مناقشات الولايات المتحدة مع السلطة الفلسطينية وأطراف فلسطينية أخرى وحلفاء مثل مصر والأردن والإمارات والسعودية وقطر عن خطة ما بعد الحرب في قطاع غزة "لا تزال في مراحل مبدئية". وقال مسؤول أميركي كبير: "لم نصل بعد إلى مرحلة بذل أي جهد للترويج لتلك الرؤية لشركائنا في المنطقة الذين في النهاية سيضطرون للتعايش معها و/أو تنفيذها".
معنويات سيئة في الجانبين
يصر بايدن على ضرورة أن تنتهي الحرب "برؤية" لحل الدولتين، لكن إدارته لم تقدم أي تفاصيل لطريقة تحقيق ذلك، ولم يقترحوا حتى استئناف المحادثات. ويرى خبراء أن أي جهد لإحياء المفاوضات هو أمر بعيد المنال لأسباب عدة، بينها الحالة المعنوية السيئة للإسرائيليين بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر، والحالة المعنوية للفلسطينيين بعد الانتقام الإسرائيلي في قطاع غزة. يقول جوناثان بانيكوف، المسؤول الكبير السابق في الاستخبارات الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ويعمل حاليا في مؤسسة المجلس الأطلسي البحثية: "من المآسي العديدة للهجوم الإرهابي الذي نفذته حماس أنه هدم المسعى الفلسطيني إلى دولة مستقلة ذات سيادة".
وفقًا لمصدر مطلع، قد يتخذ بايدن قرارًا بشأن مبادرة أكثر اعتدالًا يمكن أن تشمل مساًرا لاستئناف المفاوضات. ويدرك مستشاروه أن شهية نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، التي ترفض إقامة دولة فلسطينية، لاستئناف المحادثات لا تذكر. وبينما يسعى بايدن لإعادة انتخابه رئيسا العام المقبل، قد يتردد في التسبب في نفور الناخبين المؤيدين لإسرائيل بأن يُرى كأنه يضغط على نتنياهو لتقديم تنازلات للفلسطينيين.
إلى ذلك، تضاءلت صدقية السلطة الفلسطينية في عهد عباس مع انحسار الأمل في مسار يقود إلى تحقيق حل الدولتين. ويقول مسؤولون أميركيون إن الآليات الحالية تحتاج إلى تعديل، وإن تغيير القيادة داخل السلطة الفلسطينية قد يكون ممكنا مع بقاء عباس في منصب شرفي، فيما يناقش الأوروبيون منح السلطة الفلسطينية دورًا في توزيع المساعدات بعد الحرب في غزة "لإحياء شرعيتها". إلا أن مسؤولًا كبيرًا في السلطة الفلسطينية يقول: "عودة السلطة إلى غزة هي السيناريو الوحيد المقبول"، رافضًا التعليق على اقتراح تولى دحلان أو غيره قيادة حكومة فلسطينية، فيما يؤكد رئيس الوزراء محمد أشتية، ومعه بعض كبار المسؤولين الفلسطينيين، أن السلطة الفلسطينية "لن تعود إلى غزة على ظهر الدبابات الإسرائيلية".
ذكر دبلوماسيون أن شركاء غربيين وبعض دول الشرق الأوسط تقدموا باقتراح لتشكيل إدارة انتقالية من التكنوقراط في قطاع غزة لمدة عامين، مدعومة من الأمم المتحدة وقوات عربية. لكنهم قالوا إن حكومات عربية رئيسية، مثل الحكومة المصرية، ترفض ذلك خوفًا من الانجرار إلى ما تعتبره "مستنقع غزة"، كما تخشى قوى في المنطقة من أن تضطر أي قوات عربية غزة إلى استخدام القوة ضد الفلسطينيين، ولا ترغب أي دولة عربية في وضع جيشها في هذا الموقف.
لا اتفاق على القيادة
في السلطة الفلسطينية، لا يحظى عباس بشعبية كبيرة بين الفلسطينيين، لكن لا اتفاق على من يحل محله في المستقبل. مرجح أن يحظى دحلان بقبول مصر وإسرائيل، لكن مصدرًا أميركيًا قال إن واشنطن تتحفظ على عودته إلى السلطة، "فهناك عداء طويل بينه وبين عباس ودائرة المسؤولين الداخلية في السلطة الفلسطينية ومع أنصار حماس أيضًا، إذ هو من قاد موجة من الاعتقالات والقمع ضد كبار قادة حماس في عام 1996 بعد تفجيرات انتحارية ضد إسرائيل.
يحظى مروان البرغوثي، أحد قادة فتح المسجون في إسرائيل منذ عام 2002، بشعبية كبيرة بين الفلسطينيين، لكن ثمة في واشنطن من يعتبره اقتراحا غير عملي، فالحكومة الإسرائيلية لن ترغب في إطلاق سراح شخص تتهمه بأن "يديه ملطختان بالدماء". وقال مسؤول أميركي إن اختيار زعيم لغزة سيكون معقدا، لأن كل طرف في المنطقة لديه شخصياته المفضلة ومصالحه الخاصة. وستدعم الولايات المتحدة في نهاية المطاف أي زعيم يحظى بتأييد الشعب الفلسطيني وحلفائها في المنطقة بالإضافة إلى إسرائيل. قال جوست آر هلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية: "واضح أن هناك حاجة ماسة إلى تجديد شباب القيادة الفلسطينية، لكن الدخول في غمار ذلك مرة أخرى أمر شائك للغاية"، مضيفًا أن الدول العربية سترفض أي مرشح لا تفضله، وستفوز حماس التي تصور نفسها "قائدة النضال من أجل الاستقلال الفلسطيني" في أي انتخابات.