المهمة المركزية لقادة الحركة الجماهيرية هي "التدين"، وهذه كلمة جديدة تشير إلى "فن تحويل الأغراض العملية إلى قضايا مقدسة". يعرف القائد الملهم كيف يثير أهواء المؤمنين، ويستدعي منهم "الجرأة المتهورة".
إيلاف من بيروت: يقول الفيلسوف إريك هوفر إن الأمل هو الدافع الأول للحركات الجماهيرية مثل حماس، وللأحزاب الشيوعية الصينية والسوفياتية في ذروة ثورتها. وجهة نظر هوفر غير بديهية، إذ تتعارض مع الصورة المرتبطة بمثل هذه الحركات. فالكراهية، لا الأمل، هي ما يشعل حماسة الحركات الجماهيرية. مع ذلك، وجهة نظر هوفر منطقية. ما أورده في أطروحته الكلاسيكية "المؤمن الحقيقي" يساعد من يحاربون الحركات الاجتماعية الجماهيرية على تمييز ما يواجهونه، والتعرف على العدو هو خطوة أولى لا غنى عنها نحو النصر.
السخط قوة
يصنف هوفر مكونات الحركات الجماهيرية، قائلًا إن المكون الأول هو السخط. يبدأ هوفر بالادعاء أن البشر يميلون إلى البحث عن "قوى تشكّل وجودنا" خارج أنفسهم. يستكشفون العالم وهم راضون عن مكانهم فيه أو رافضون. من ثم، الأشخاص الذين يشعرون بالإنجاز يعتقدون أن هذا العالم جيد ويرغبون في الحفاظ عليه كما هو، فيما يفضل المحبطون التغيير الجذري.
المواقف تجاه التغيير هي الفارق الرئيسي بين المحافظين وأعداء الوضع الراهن. يبذل المحافظون أنفسهم لدرء التغيير نحو نظام نافع، ويريد المحبطون الخلاص من الوضع الراهن واستبداله بشيء مختلف تمامًا. وهذا هو الهدف الثوري الجوهري.
المكون الثاني هو الشعور بالقوة. ولا يتطلب الأمر مجرد الاستياء من النظام القائم، بل الشعور أن الحركة يمكن أن تكتسح هذا النظام لتغذية الرغبة في التغيير. هذه ليست قوة فعلية لكنه الشعور بالقوة. يعتقد المتمرد أن بإمكانه تحقيق أهدافه التغييرية الجذرية إذا توفر لديه ما يكفي من الحماسة والتنسيق والمثابرة.
يعكس تعليق هوفر الجملة التي قالها وردزورث بشأن الجو الذي كان يسود فرنسا في بداية الثورة الفرنسية: "كان نعيماً أن تكون حيًا في ذلك الفجر، لكن أن تكون شابًا كان مرادفًا للجنة". فقد كان الثوار الفرنسيون محبطين من النظام القديم ، وأقنعوا أنفسهم بأنهم قادرون على إطاحته، وأنجزوا ما بدا مستحيلاً. إن حمل الناس على تحدي الصعاب سؤال محوري.
المكون الثالث هو الإيمان بالمستقبل. يلاحظ هوفر أن الإيمان يدعم الرغبات الرصينة للتغيير التدريجي. تميل الحركات الدينية إلى وعد المؤمنين بالحياة الآخرة. في الواقع، فيما تَعِد الحركات العلمانية ببناء جنة على الأرض. ومهم تحديد طبيعة المستقبل الذي يضع فيه المؤمنون الحقيقيون إيمانهم.
نداء العقل لا يكفي
المكون الرابع هو القيادة. يقول هوفر: "أولئك الذين يريدون تحويل أمة أو عالم، لا يمكنهم فعل ذلك عن طريق تربية السخط والسيطرة عليه أو من خلال إظهار معقولية التغييرات المقصودة واستصوابها أو عن طريق إجبار الناس على اتباع أسلوب حياة جديد". فالنداءات العقلانية غير كافية، إن لم تؤدّ إلى نتائج عكسية تماما. بدلًا من ذلك، يتعين على القادة الطموحين أن يعرفوا كيف يشعلون ويشعلون الأمل الباهظ. لا يهم ما إذا كان الأمل بمملكة سماوية، أو جنة على الأرض، أو نهب وثروات لا توصف، أو إنجاز رائع أو السيطرة على العالم.
في هذه الحالة، المهمة المركزية لقادة الحركة الجماهيرية هي "التدين"، وهذه كلمة جديدة تشير إلى "فن تحويل الأغراض العملية إلى قضايا مقدسة". يعرف القائد الملهم كيف يثير أهواء المؤمنين، ويستدعي منهم "الجرأة المتهورة". يكتب هوفر: "بالنسبة إلى المتفائلين، إنهم يستمدون القوة من مصادر القوة الأكثر سخافة، من شعار أو كلمة".
إن القومية محرك رئيسي للمساعي الثورية. على سبيل المثال، يلاحظ هوفر أن "التحديث الهائل لليابان ربما لم يكن ممكنًا من دون الروح الإحيائية للقومية اليابانية". الماركسية - اللينينية أمر آخر. يعزو هوفر انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية إلى قدرة رئيس الحزب ماو تسي تونغ على إثارة المشاعر بين الفلاحين، وهو ما لم يتمكن منه الزعيم القومي تشيانج كاي شيك. وبطبيعة الحال، كان الدين يغذي الحركات الجماهيرية منذ زمن سحيق، من الحروب الصليبية إلى 11 سبتمبر.
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مقالة كتبها جيمس هولمز ونشرها موقع "1945"